الشيخات، الشماعة التي تعري النفوس الضعيفة

الشيخات، الشماعة التي تعري النفوس الضعيفة
شارك

فؤاد الجعيدي

 فرجة رمضانية، تتحول مقدمة للهجوم على جزء من تراثنا الشعبي، وهو الهجوم الذي تولاه بعض الفقهاء الذين يحاولون سلخ أمة من أحد مكوناتها الموسيقية، بطهر لا معنى له إلا كخيبات في النفوس الضعيفة التي تتمثل الجسد الأنثوي كغواية شيطانية..

لنعد إلى لفظة الشيخة كما تطورت في قاموسنا اللغوي، حيث ارتبط في زمن من تاريخنا القديم، أن النساء اللواتي يقدمن للغناء كن كبيرات في السن ولا يثرن الشهوة، في الوقت الذي كان الغناء محرما على من هن في مقتبل العمر.

ومع توالي الأيام اكتسب الغناء في صفوف النساء لفظة الشيخة، وانسحبت على اللواتي يؤدين القصائد الشعبية كما عرفت في سهول قبائل الشاوية وعبدة وزعير.

وجسد هذا التراث كل ما اختزن في وجدان المغاربة من أحاسيس الفرح والألم، وانصهرت فيه وقائع وأحداث، لمناهضة التسلط والظلم والجور الاجتماعي، كما كان التغني بهذا الفن ذي الأصول العروبية بالفروسية وذكر الخيول في ألوانها ومحاسنها ونخوتها وعلاقتها بالفرسان.

كما أن هذا التراث في العديد من قصائده جاء تأريخا في نظمه لمآسي اجتماعية عاشها السلف ورصودها في بناء فني موزون يطرب النفوس ويوقع بها في متعة التغني بأبياتها.

لكن هذا النمط الغناء، ساهم بقوة في إغناء المقامات الموسيقية المغربية، بصورة تحمل في طياتها إبداعات الشخصية المغربية.

ولا أعتقد أنه يوجد من بين المغاربة من لم تطربه أمهات العيوط وروادها.. وقد واكبت هذا التراث العديد من الاجتهادات الأكاديمية للكشف عن النوابغ الذين قعدوا لهذا النمط الغنائي، والذي ظلت مختلف الطبقات المغربية، تستحضره في الأعراس والمناسبات، كما نلاحظ اليوم دعوات للحفاظ على مقوماته الأصيلة بعد أن تسرب لها التهجين.

إن من يعادي هذا التراث، فهو يعادي جزءا من هويتنا كما صيغت في هذا الوطن من الشمال الإفريقي، والذي لم يتأثر بالغزوات الماضية التي انتشرت على عهد الاحتلال العثماني بفضل مقاومة الرجال الأحرار في هذا الوطن العريق في حضارته.

فقط اليوم من يعادون هذا التراث ويسقطون عليه أمراضهم النفسية، يودون أن يستبدلوا هذا الإرث الوطني بآخر مستورد من بلاد الشرق العربي، والذي لا يشبهنا في المقومات التي أفرزتها تربتنا، ونلنا معها هذا الطابع الذي ظل جليا في لغتنا ومأكلنا وملبسنا ولا يعلم هذا الغنى الأنثروبولوجي ويفتخر به سوى من ظل دم تمغربيت يجري في عروقه.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *