الرفيق المعطى في كل الأحوال يظل شامخا
فؤاد الجعيدي
لم أعلم إلا مؤخرا أن الرفيق المعطى، من بين نزلاء مركز نور ببوسكورة للترويض الطبي، ظل إلى حدود الساعة يتمتع بالصفة داخل لجنة المراقبة السياسية لحزب التقدم والاشتراكية، وللتاريخ أن الرجل والرفيق لم تكن له خيارات الإقصاء اتجاه الرفاق، وكان أكثر من كل هذا رجل التوافقات ويتمتع بنظر ثاقب، وكان من بين المساهمين الأوائل في جريدة المنظار حيث كانت كتاباته تتميز بالعمق الفكري والسياسي قل نظيرها في أيامنا هذه.
كمثل كل الزيارات في هذه المواقف الانسانية بامتياز، تناولنا سويا فنجان قهوة بحديقة مركز نور، في المدخل الرئيس هناك ساحة دائرية قال لي المعطى: إنها تشبه قاعة المطار، ورواد المركز يتخذون كراسي متحركة.. كتلك التي أدفعها الآن لنخرج إلى الحديقة.
بعض المرضى يخرجونهم للساحة الداخلية لحصص ترويضيه على الحركة، والحركة هنا صارت مسعى ومبتغى لكل الناس داخل هذا المركز المختص.
في الحديقة حدثني المعطى على الزيارات القليلة التي قام بها له بعض الرفاق، لكن كنت أقاطعه بالاعتذار أني لم يصلني الخبر على وضعه الصحي، الذي يستدعي مزيدا من العلاجات المكلفة والتي يصل الفارق فيها الذي يجب عليه دفعه شهريا عشرة آلاف درهم.
المعطى لم يتغير، حتى في هذا المكان لازالت شعلة النضال حية في قلبه وتبض بالحياة.
قال لي: أنه في إحدى المرات كتب ملتمسا عن ضرورة تحسين الوجبات الغذائية للمرضى، لم تتعد التوقيعات عليها أصابع اليد الواحدة، في حين ظل الباقي ينظر لها على أساس احتجاج غير محسوب النتائج.
الناس حين يصعب عليهم التمييز يخافون ولا يعرفون حدود حقوقهم الطبيعية. أغلب رواد مركز نور من العاملين بقطاع البناء والذين تعرضوا لحوادث شغل بالسقوط من أعلى السلاليم ثم فقدوا الحركة بعد إصابتهم بالعصب الوركي..
تحدثنا على الحمية في منتهى العمر، وعلى ضرورة المراقبة الصحية المستمرة والعناية بها، لا سيما مع الأمراض المزمنة مثل الضغط الدموي الحاد والسكري الذي أعاني منه بدوري.
لم تعد الظروف هي نفس الظروف التي كانت فيما مضى في زمن آخر، لم نتحدث عن الحزب الذي كان يجمعنا مثل أبناء الأسرة الواحدة وفيه كنا نتقاسم الرغيف مثل اللحظات العبرة والهاربة.. أشياء كثيرة تغيرت حين هيمنت قيم اقتصاد السوق وأرخت ضلالها على كل مسارات الحياة..
توقفت الزيارة حين تلقيت هاتفا يحمل لي نبأ غير سار، قبلت رأس رفيقي أملا للعودة في زيارة ثانية له.