ليس تعبًا؛ هو اختلال في قيمة الأشياء
فؤاد الجعيدي
اللغة عند د. سعيد ألعنزي تاشفين مصيدة كبرى، للعودة إلى التفكير في العالم في علاقته بالذات من أجل رؤية واضحة لحركة التاريخ وقدرة قوانينه على أن لا يجعل الباطل باطلا، وما ينفع الناس يمكث في الأرض أما الزبد فيذهب جفاء.
الأستاذ ألعنزي، مهووس بالفكر الفلسفي وتاريخه، الذي أحدث رجات كبرى في أروبا من عصرها الوسيط إلى حداثتها التي ليس لها مستقر، في منعطفات كثيرة ومتعددة، استوقفت الرجل المفكر فيما ينبغي أن يكون عليه الوجود الإنساني، من خلال تراكماته المعرفية .. والتي لا تخلو من أسئلة وجودية، تعيد تكييف المعاني رغبة في امتلاك توازنات مفقودة بفعل الجشع الأعمى لاستغلال الأنسان لأخيه الإنسان، ومن أجل هذا التملك الأعمى والاستحواذ على جهود الغير وكدهم الذي ظلت كل نظريات العالم تفيد أنه أمر غير أخلاقي ومنتج للفساد.
ألعنزي يدافع بدون هوادة وبصلابة على الحق ليس بمعناه الخيري، بل الحقوقي الذي عملت على نضجه مسارات كبرى من الصراعات بين الفئات المستغلة والمحظوظة والمستغلين الغلاب والذين لا يملكون في هذا الوجود سوى قوة العمل التي باتت عليها المزايدات باسم نظريات تدبير الموارد البشرية التي تريد اقتناص الشرعية لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتسليعه وتسليع قيمه في ذات الآن.
سعيد ألعنزي غير قابل للتدجين والتسمين مثل الفراخ الرومية، بل يبحث عن معاني التحرر، وهو تحرير ينهل من جذور متعددة في الفكر والمراس يهتم بالتاريخي والسوسيولوجي والأنتروبولوجي والأدبي ليزيل الغشاوات التي تخلقها الإيديولوجيات اللعينة.
يكتب سعيد ألعنزي ويبوح قائلا:
و تتواصل الخطى لعل باحة الأمكنة كلها بمساحة الشوق العميق في مخيماتها العتيقات تغتال الدجنة ذات فجر يغسل أفئدة المصابين بالشرود ، ثم تلوذ إلى قصر الضحى بارجة من إنهمار الهمس و الحنين و بوح الدمع رقراقا سخيّا ، و بضع ابتسامات لطيفات على أمل الوصال .
يا هذه الأحشاء و الصدى في أعماق الجوى و يا رفاق حزننا الجميل اعلموا أن الأمس مازال مقيما بالجانحة فلقا من شهادة على رؤوس المواويل و الميتين الحاضرين في تصدعات هذا القلب شاهدة تؤرخ للوجع القديم ، فتضرعوا إذن من قراصنة الالتفات بعض أمنيات خضر وسنبلات خضر و ملامحنا التي تغادرنا خلسة نحو وجهة الجفاء على شجى القديم ..