متاهات

متاهات
شارك

د. سعيد ألعنزي تاشفين

     الحرب لم تختار بمحض رغبتها أن تكون هي الحرب ، كانت تحلم كثيرا أن تكون نادلةً شقراءَ في حانةٍ تُظهر نهديها للجميع و تهدي الفرح لبعض العابرين من تكالي الوجود في كؤوس صغيرة ملوّنة ؛ فيبتسمون أملاً و هي تمضي . و الرصاص لم يختار يومًا أن يكون رصاصَا ، فقط كان يريد أن يكون عشقًا دفينا في قلب رجلٍ خجولٍ من أوان المراهقة لأنثى ، في قلبه ألف حلم و رغبة ، و كلما تحطمت رغبة نمت شذرة مبعثرة على ظهر قلب مجدّدَا ، و كلما تحرش قلبه بحبيبةٍ جديدةٍ تتّسع لوجعه القديم قامت وردة بلونٍ مختلفٍ أمام قلبه ثم انصرف مهرولاً يكتب شذرة أخرى على رصيف الضياع العميق . و الجنودُ لم يختاروا أن يكونوا جنودَا ، لقد اختارهم القدر لخوض لعبة القتل في ساحات الخوف الممتدة على طول أحشائهم ، منذ كانوا صغارا يرجون أن يكونوا طينا تنمو عليه أغصان الزيتون المبارك لا شرقيّ و لا غربيّ امتدادَ بنادقهم الألية لتغفو عليه الحمامات ، لقد كانوا في كل مكان أرواحا من دمع ودم  و أهّات و حبيبات بعيدات جدا و أمهات يدعون لهم بالنصر ببطولات الوهم ، كانوا يظنّون بأنهم يصنعون السلام بالقتل ، و حين اشتدّت الحرب تاهوا بين ما رغبوا به وما صاروا إليه ؛ و كذلك تشاء رغبة السماء ، وبين أول طلقة و أخر طلقة كانت هناك

سماوات تخدش بالأزيز و صوت الطلقات جثث تدفن بعضها البعض وكلها مجرد أحلام تنتهي في المخاض و تسقط تِباعَا و تبحث في خبايا الجيوب عما يبين هوية القتيل من هؤلاء ضحايا القدر مثل أعشاب احترقت و لم تكمّل حلمها أن تكون في تمام اخضرارها في الربيع القادم احتفاء بالعاشقين على جنبات المسافات المكلّلة بالغبن . و الخطيئةُ أيضا لم تشاء أن تكون خطيئة إذ تمنّت أن تكون لوحةً بيضاءَ ناصعة كلُُّ يرسم ما جاء على باله بألوان العشق دون أن يلقي بالاً إلى ظنون الآخرين به ، و ما العشق إلا ثوبة رحمية رغم الوِزر الذي يحاصر النبض بمحاذاة القلب . و الشعراءُ كذلك لم يختاروا أن يكتبوا القصائدَ و هم يحفظون ألف كلمة من معين الأبجديات النزيف ، و كل ما حلموا به سكينة كاملة و ابتسامةً بلا رقابةٍ إزاء ما يحدث في البلاد . و الشذرةُ ما قبلت أن تكون شذرةً تلملم كل أوجاع الروح و القلب و القفار ها هنا و الديار المتصدعة و الأسوار المتشققة و الأمهات اللائي غادرن خلسة و كل مساحات الإفلاس و العيد و بأي حال يجيء و كل الخيانات و سقطات الرفاق و متاهات اليومي و بؤس الانتماء و سجايا الحزن و نواميس الخراب .. لقد تمنّت أن تكون مواويل عشق تتلوها حناجر العشاق بين ثنايا الملاحم مذ وُلدت الإليادة و الأوديسة من فاجعة هوميروس ، نحو جنون نيتشه حبا في لو سالومي ؛ و من الحب ما قتل ، إلى إفلاس كافكا قبل أن تُنهي ملينا الحَكايا على شظايا حلم .

و لكل هؤلاء و للنبض :

    سلام على تعبٍ يرمح مثل النبض في شفاه الفكرة ، و على عرقلة الأتاي في مشاوير الرؤى و خطيئة الخيال في حضرة الوسادة ، و سلام على عيونٍ تمسح زلاّت الفراغ بلمحة نور مثخن بالأغنيات ، و على سرابٍ يلوح أكثر من ماء و يشير إلى خصر الوادي الظمآن ، و على صدفةٍ خضراء تأتي على شكل صدفة تغير تقويم الفصول و مواعيد نائية النّدى و مخاوف الغيم و الغبن، و سلام على حرفٍ يغرف التنهيد و يُواسي الجرح و يُنشد الحلم و السلام .

   و ختاما ؛  » أعداؤنا الحقيقيون يكمنون في قلوبنا ، هناك يجب أن تخاض كل معاركنا « 

                          » المهاتما غاندي « 

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *