الركض في المدينة

• من مجموعة قصصية قادمة: ( لا طمأنينة في المدينة)

لشيخ القاصين عبد الحميد الغرباوي

الأمر لا يتعلق بسباق تم الإعلان عنه سلفا في منابر صحفية وربما محطات إذاعية وتلفزية يرفقه إشهار منتجات مصانع ومعامل، و أسماء شركات ومؤسسات غالبا تكون الداعمة والممولة..

ماراطون مثلا، رسم له المشرفون بداية انطلاق وخط وصول يجتازه الفائز تحت وابل من التصفيق والهتاف..

لا، أبدا..

الركض هنا، أي في المدينة، شيء آخر..

ركض يومي، و الفائز فيه وحده يعرف أنه الفائز، بلا تصفيق و هتاف، فيبتسم أو يضحك لفوزه،  ولا تدري الوجوه المتجهمة ، الكالحة لما يبتسم أو يضحك..

الركض في المدينة لا يحدد انطلاقه زمن معين ..

في كل ثانية، وأقل من ثانية، ثمة انطلاق وركض..

ركض غير منظم، لذا يمكن وصفه بالركض العشوائي، الفوضوي..

ركض في كل الاتجاهات.. وقد تتقاطع فيحدث جراء ذلك ما يشبه الاصطدام..الاصطدام المؤدي في حالات إلى تبادل الشتائم و الدخول في عراك..

قد يكون الركض لأجل هدف يسعى الراكضون إلى بلوغه في أقرب وقت..

خذ مثلا هذه المرأة الستينية، ها هي ذي تقطع آخر الأمتار راكضة لاهثة لتدخل مركز البريد، لكنها تفاجأ، تُصدم، القاعة مكتظة بالزبائن.. وعليها أن تنتظر دورها.. قد تقول في داخلها وهي تتفرس في الورقة التي تحمل رقم دورها:  » يا لسوء حظي، وصلت متأخرة.. »..

في أماكن أخرى متفرقة من المدينة، الآن، اللحظة، عشرات الراكضين والراكضات صوب محطات القطارات والحافلات وطرامواي..

وقد يقول راكض أو راكضة:

 » يا لطالعي السيء، فاتني القطار »…أو الحافلة..أو طرامواي..

الوقت ذو أهمية قصوى، فكلما كان الركض أسرع، كانت الحظوظ أوفر لبلوغ المرام..

أما الموظفون والموظفات والعمال والعاملات والخدام والخادمات فالتحاقهم بالعمل يُعد بالثواني والدقائق، وأدنى تأخر قد يتم الرجوع إليه في سجل التأخر والتغيب عندما يُراد التخلص من واحد منهم أو واحدة منهن..

طبعا الرؤساء والمسؤولون فوق أي.. كل حساب..

ولا بأس أن ندمج العشاق في هذه الفئة من الراكضين والراكضات، فمواعيدهم هي أيضا لا تحتمل التأخر أو الانتظار الطويل..

أضف إلى هذه الفئة زمرة النشالين وأولئك الذين يطاردونهم..

المدينة حلبة كبيرة..كبيرة لركضٍ يصاحبه هدير وعويل ونداءات وصراخ..

وكما ثمة ركض لأجل هدف ما ثمة ركض لغير هدف..

أنا الآن أركض..

لماذا أركض؟