سطات تستحق أكثر ما الذي يعوزها؟
فؤاد الجعيدي
في العهد الكولونيالي، كانت مدينة سطات الناشئة مثل باريس صغيرة، أحدث لها الفرنسيون مركزا استقطب كل متطلبات الحياة في تلك الحقبة..
وسط مدينة تدور حوله كل العلاقات الاجتماعية، محطة طرقية، سوق بلدي مثل الجوهرة وبنك للمعاملات التجارية ومركز للبريد وحانة، ساعتها كان البريد يحمل الأخبار القريبة والبعيدة ومحطة قطار ومخزن للحبوب..
كان التصميم للمدينة يفكر في التطور المستقبلي لتوسعها العمران، لم تكن هذه هي المظاهر الاستعمارية هي المسيطرة، بل جاءتها العائلات الفاسية والسوسية، لينقلوا لها الطباع الأصيلة من الحضارة المغربية، وخلقوا فيها رواجا تجاريا في المحلات التي كانت تستقدم الأثواب والأزياء التي اشتهرت بها حاضرة فاس.. هذه الهوية انضاف إليها الحرص على تدريس العلوم الشرعية والتعليم العتيق الذي كان رمزا في تلك الحقبة للارتباط بالهوية الوطنية للمغاربة.
ولما اشتد الصراع بين الغزاة الفرنسيين والسكان الأصلين، تم تأسيس فريق النهضة السطاتية، من طرف بعض الشيوعيين المغاربة، حيث ساعتها كانت كرة القدم هي الغطاء لتمرير السلاح للمقاومة الشرسة بمدينة الدار البيضاء..
ما يؤلم اليوم أن هذه المدينة التي كانت معبرا للقوافل وعاشت في العديد من مراحلها ازدهارا، مكنها في إحدى حقبها من تصدير القمح إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأتتها فرص عديدة للارتقاء لكن أخطأت مواعيدها مع التاريخ..
ما كان لسطات أن تكون على هذا الوضع وهي المدينة التي أنجبت رجالا في الثقافة والفكر والسياسة والاقتصاد والفنون الشعبية.. وبعض من رجالاتها يتبوؤون مواقع سياسية وفاعلة في بعض دول المهجر بالدول الأوربية وبكندا بمنطقة الكيبك ويديرون الشؤون العمومية بكفاءات عالية..
سطات التي نتحدث عنها كانت الصورة المثلى للتعايش الديني والتسامح بين طائفتها اليهودية المغربية ومسلميها. وما أحوجنا اليوم لاسترداد هذا الموروث الثقافي اللامادي..
لا يمكن لمدينة أن تنهض وهي تتنكر لماضيها، ولا يمكن لمجال أن يتطور شأنه المحلي في الغياب المعرفي للقائمين على الشأن الجماعي بوظائفهم، والاستعداد للتوفر على مشاريع دقيقة الأولويات والتي تستهدف النهوض بهذا بالإنسان والمجال..
وإدراك هذه الأهداف لن يستقيم إلا بتوسيع المشاركة والانفتاح على النخب والانفتاح أكثر على المواطنين، باعتبارهم الرحى لكل نهوض محتمل.