الطائرة وفاطمة والنجمة التي لم تطلع بعد

الطائرة وفاطمة والنجمة التي لم تطلع بعد
شارك

محمد الوافي، الفقيه بن صالح، 16 غشت 2022.

وضع أحمد اللافتات في صندوق السيارة، أدار المحرك، ثم قصد مدينة الرباط، الجو معتدل في هذا الصباح ،الشمس لم تشرق بعد، كانت فاطمة  الزوجة المكافحة متحمسة لمرافقته، في طريقهما تناولا مواضيع كثيرة: ذكريات الدراسة والنضال  بالجامعة، الجارة « المسمومة » التي تشبه في حقدها النظام الجزائري، الامتحانات الاشهادية ، الساعات الاضافية، الاستماع إلى الأخبار ، الرد على  المكالمات الهاتفية…،كانت فاطمة تنبه زوجها الى عدم تجاوز السرعة القانونية في مداخل القرى والمدن لتجنب غرامة مخالفة أخرى….عم الصمت طويلا، توقف الحديث، لم تعد تسمع سوى أصوات العجلات والمحركات، قرب مدينة برشيد، وبمحاذاة مطار محمد الخامس، نظر الى وجه فاطمة وجدها تذرف دموعا، كلما سألها مابها، إلا وأجهشت بالبكاء، بللت مناديل ورقية عديدة،  احمر خداها، تلقي نظرة على طائرة مقلعة من المطار، فتزداد غزارة دموعها المتساقطة كاللؤلؤ، اختلطت عليها مشاعر ألم الماضي، وغموض المستقبل، تحدث نفسها همسا:

-آه ياعزيزتي، لم أنس يوم الثاني من شهر أكتوبر سنة 2017،حينما حضرت رفقة الاسرة  لتوديعك، وأنت تشدين الرحال نحو بلاد بعيدة تسمى أوكرانيا،  لم تكملي بعد ربيعك الثامن عشر، لأول مرة تمتطين الطائرة وتسافرين الى دولة كل ما أعرف عنها لوني علمها الأزرق والأصفر، وعاصمتها كييف، ومدينة جامعتك خاركيف، ثقافات وعادات وديانات وجنسيات ولغات مختلفة ،كيف ستندمجين في هذا المجتمع البعيد، وأنت تعودت على حنان أمك، وعطف أبيك، في ذلك اليوم منع المرافقون من دخول بهو المطار، ودعتك بعد عناق حار، كنت أرقبك حتى اختفيت وسط ازدحام المسافرين والحقائب، سالت دموع  عيون حزينة في ذلك المدخل ،لحظة الوداع تظهر على أوجه الناس.

استرق أحمد سمع بعض الكلمات الهموسة، أدرك من خلال نظراتها، سر بكائها، تذكر يوم أصرت على المكوث ساعتين في موقف السيارات الى أن تقلع الطائرة، كانت تلوح بيديها مودعة ابنتها، معتقدة أنها تراها وسط هذا الزحام، استحضر  كلمات أغاني شعبية:

واه واه الطيارة طارت

واه واه دمع العين سالت.

أو:

الطيارة علات ومشات

وخلاتلي غير الذكريات.

غالب أحمد سقوط دمعتين تخفيها نظارتاه السوداوان، فابنته هاجر لازالت لاجئة بألمانيا بعد اندلاع حرب روسيا، لكنه تظاهر بقوة الرجل الذي لا يبكي، قائلا:

-ازدحام السيارات والشاحنات شديد عند مدخل مدينة الدار البيضاء.

-فاطمة:(وقد تحررت  من ذكرياتها الاليمة) انتبه حفاظا على سلامتنا.

-أحمد: انظري الى هذه المنجزات :مدينة عملاقة، طرق سيارة،سكك حديدية ،وقطارات سريعة، موانئ ومطارات عالمية، وحركة صناعية وتجارية نشيطة…كلها مؤشرات تدل على أننا في دولة متقدمة.

-فاطمة: وحكومة عاجزة عن إدماج عدد محدود من الطلبة في جامعاتها، فأين الخلل؟

-أحمد: في التدبير لأن الديمقراطية لم تتبلور بعد كمنهج سياسي في بلادنا، والسياسيون لا يخدمون مصالح الشعوب، انظري إلى المأساة التي نتجت عن قرار بوتين ،شرد شعبا، ويتم أطفاله، وجوع سكان العالم، وخلق أزمة في  الاسعار والمحروقات، وتوقف الطلبة والتلاميذ عن الدراسة، إنه مكر السياسيين…فما الحل اذن؟

فاطمة : النضال ثم النضال الى أن تتحقق الديمقراطية ويتمتع الانسان بكامل حقوقه.

في باحة الاستراحة بين الدار البيضاء والرباط، توقف أحمد، احتست فاطمة كوب قهوة مع قطعة من الحلوى، استراحت  واسترجعت حيويتها، التقيا بأسر  قادمة من مدن أخرى، تم التعارف من قبل في الوقفات الاحتجاجية وفي مجموعات الواتساب، تخيلوا لي مثل مشجعين يرافقون فريقهم المحلي لتحفيزه على الانتصار في ملعب الرباط ، جو حماسي ،وتضامن واتحاد….

أمام وزارة التعليم العالي، أصبحت فاطمة نجمة الوقفة، توزع اللافتات، تنظم المحتجين، توزع الادوار ،استحضرت نضال الجامعة،                    تردد الشعارات بأعلى صوتها، آمنت أن الحقوق تنتزع ولا تعطى.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *