اختبار الديمقراطية، ومحنتها في الأحزاب السياسية
فؤاد الجعيدي
كان في سنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي، أن مناضلي الأحزاب اليسارية، يقيمون الاحتفالات في خلاياهم وتنظيماتهم لاستقبال المناضلين الجدد، أو بمناسبة توزيع بطائق الانخراط عليهم.
وكان الحصول على بطاقة الانخراط في حزب يساري أو الانتماء إليه مفخرة، وعنوانا على تبني أفكار التقدم، والدفاع عليها.. في حين كانت بقية الأحزاب تنعت بالإدارية لأنها منحازة لأجندات الدولة وكيفية فهمها وممارستها للديمقراطية.
لكن للتاريخ أن هذه الأحزاب الإدارية، كانت في عمليات الصراع المجتمعي، عادة ما تنفتح على الأفكار والاقتراحات التي تأتي بها هذه القوى الديمقراطية واليسارية لا سيما في القضايا الكبرى.
اليوم نشهد في ظل المتغيرات الجديدة، أي منذ انفتاح الدولة على قوى اليسار والتفاوض معها للقبول بفكرة التناوب على تسيير الشأن العمومي وبتوافق تاريخي عشنا معها إسناد المسؤولية للراحل عبد الرحمان اليوسفي إلى جانب حلفائه في الكتلة الديمقراطية.
هذه المرحلة أحيت آمال الأمة في أن التغيير صار شبه ممكنا، وكيف أن وجوها من المعارضة تبوأت مكانها على تدبير العديد من الوزارات، جاء المثقفون للثقافة والاقتصاديون للمالية والحداثيون لوزارة الاتصال.
ثم بدأ الترويج إلى خطاب جديد، أن اليسار لم يكن يدرك أن البلاد كانت على حقا حافة الهاوية، والتي وصفها الراحل الحسن الثاني بالسكتة القلبية.
حكومة اليوسفي اشتغلت على التوازنات المالية والاجتماعية، وتخلصت من الدين الخارجي الذي كان قد وصل حالة قياسية. وعمل على تحسين القوة الشرائية للطبقة المتوسطة حين أقدم على ترقيات استثنائية وبالأخص في وسط رجال التعليم.
هذه المرحلة كان لها من الخصوم والأعداء حتى من وسط هذا اليسار، الذي كان يحلم فيها العديد من المناضلين بإمكانيات التسلق الاجتماعي، وهي نخب سعت بقوة لإرضاء مصالحها الذاتية، حيث أن وزراء من هذا اليسار، تبث في حقهم هدرا للمالية العمومية وفي بعض الأحيان، بصور أفظع من سابقيهم من وزراء اليمين.
وأدرك الجميع أن السياسة بالمغرب، تجارة رابحة وفيها الحصول على العديد من المنافع من المالية العمومية (أجور سمينة وتعويضات ومكافآت وأسفار مؤدى عنها وإجازات وعلاقات اجتماعية .. لا رقيب ولا حسيب على الوزير هو الأمر الناهي )
الأمناء العامون للأحزاب، صاروا هم المفاتيح لهذا الولوج لهذه المكانة الاجتماعية وبالتالي صاروا يقدمون ويفضلون، هذا عن ذاك ولم تعد الصفة المطلوبة، كم ناضلت في التنظيم ولا ماهي فاعليتك في التأطير؟ صار الهدف والمبتغى من هو أكثر قربا من (الزعيم ) أو له الواسطة التي تلج به إلى مكتبه للحصول عن التزكية التي لم تعد مجانية..
هذا الوضع الجديد وفي هذه الاستحقاقات بالضبط، جعلت العديد من التنظيمات يرحل عنها مناضلوها القدامى جماعات، بتنا نعيش زمنا مع الاستقالات الجماعية بالعشرات، وفروع تتهاوى ولا يتم الانصات لرأيها تفرض عليها المواقف الفوقية..
والزعيم كديك رومي منفوش الريش، يتغنى بالديمقراطية كما يفهمها على هواه المنسم بروائح الكحول، ويهش بعصاه على ما تبقى له من قطيع في هذه الفرجة الكرنفالية، ومنهم من رأى في المنام أنه هو اليسار، وبعضم ظل يتعارك في جوقة صغيرة تضرب فيها الأخماس بالأسداس وتهدم فيها الأعشاش التي بنيت من القش.
لذا بت أتغنى ببيت من الشعر، للراحل سعدي يوسف:
الزمن يا حبيبتي كالقش بين أصابعي.