البطاقة المهنية للصحافة أي معاير تحكمها؟
فؤاد الجعيدي
أي نفق، اختارت لجنة البطائق بالمجلس الوطني ولوجه؟ وهي تمنح صفة الاحتراف للبعض وتمنعها عن البعض الآخر.
بات في حكم اليقين لدينا، أن الاعتبارات المتحكمة في التوزيع ذاتية، وتبتعد عن المهنية والاحتراف.
بعض من وافقت لهم اللجنة منهم الجزار والشواي والفلاح، وقد دخلوا في تعداد الصحافيين المحترفين. هذا البعض الذي نتحدث عنه، كثير منهم لا يجيد قواعد اللسان العربي ولا يمتهن الحرفة دفاعا عن قضايا التنوير المجتمعي، ولم يسبق له أن ترافع عن قضايانا الوطنية، حين تستدعي الظروف الطارئة ذلك.
لكن من قدر، ومنح البطاقة لهذا الرهط، هو أدرى بالاعتبارات المتحكمة في هذا التوزيع، والذي يتعامل في هذه الظروف بالذات، ويحصي الأصوات ترقبا لانتخابات قادمة، ويريد إفسادها بمنطق الغلبة المطبوخة.
لقد مارست الصحافة منذ بداية الثمانين من القرن الماضي، باعتبارها جزء من الالتزام السياسي والايديولوجي ، وباعتبارها دفاعا عن القيم الكونية وإسماع أصوات البسطاء، في أوراش البناء وفي المؤسسات الإنتاجية، وعن صانعي الخيرات الذين يحتاجون إلى ضمان الحدود الدنيا لحقوقهم الطبيعة وللعيش بكرامة، وهذا الدفاع كان ينهض من قناعات فلسفية تعمل على مناهضة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتتطلع لغد أفضل.
ولا يمكن اليوم أن ننكر هوامش التعبير التي انتزعتها الحركة الحقوقية ببلادنا ، ولا ننكر أيضا أن زمن الخوف والرقابة التي عشتها في جريدة البيان، وبيان اليوم على عهد الراحلين علي يعته وعبد السلام بورقية وعبد المجيد الذويب وليفي شمعون ونذير يعته وميمون حبريش وشعيب الريفي.. وتطول اللائحة جميعهم علموني داخل هذه المدرسة أن مهنة الصحافة التزام أخلاقي، لا يجوز فيه الاعتماد على السمع، بل على التقصي الدقيق والميداني، وعلى الانصات للنبض الحي للمجتمع بالتمرس على البيع النضالي لاستقراء آراء الناس من المكتوب عن واقعهم الملموس..
وبعدها ساهمت في تأسيس جريدة عالم الشغل وصرت رئيسا لهيئة تحريرها، والتي كانت توزع داخل وخارج المغرب، وتصل إلى المؤسسات الدولية.. وخلال كل هذا المسار تعلمت أن الانتماء إلى الإعلام يعني مسألة واحدة، الاستمرار في الكتابة واختبار أجناسها، والاجتهاد في أساليب تطويرها كما كان يفعل رواد الحركة الإعلامية ببلادنا.
لكن اليوم، لما صار لنا مجلس للصحافة، بات يعطي الصفة لهذا، ويمنعها عن ذاك، وكلما تم الاستفسار عن مضمون قرار الرفض، يختلقون داخل المجلس أجوبة تثير الشفقة والسخرية، على هذا المآل الذي أدركناه اليوم.
الوضع سيئ، والكل بات يعلم الخلفيات، لكن الذين اختلقوه لا يرف لهم جفن.
هذا البؤس المهني الذي أدركناه، علينا الخجل من صانعيه، الذين ذاقوا نعم التعويضات، ولم يكونوا أوفياء لهذا المشترك بيننا والذي ننعته بأخلاقيات المهنة.
لدي اليوم قناعة واحدة أن الصفة ننالها بفضل الاجتهادات اليومية، وبفضل الانخراط في التطلعات الوطنية، من أجل إعلام يظل مستقلا عن كل الحسابات الصغيرة للعبة مغشوشة، سيكون فيها الخاسر الأكبر المهنة والمهنيين.
لا يمكن اليوم اعتبار توزيع الصدريات إنجازا، للتغطية عن كل هذه التعثرات التي تحصيها الندوات والملتقيات والتصريحات للمعنيين بالشأن الإعلامي، وعن هذا الإفلاس الذي يمس العديد من المنابر الإعلامية.
وما البطائق المهني إلا تعبير قوي عن هذا الإفلاس في الرؤية والمقاربة.