هل من حاجة لمناقشة تقنين الإضراب في جوانبه الحقوقية؟
فؤاد الجعيدي
أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن تنظيم ندوة حول عن بعد يوم 24 من الشهر الجاري، حول موضوع ( تقنين الإضراب وحقوق الإنسان ) بمساهمة أستاذة من الجامعة ومن بينهم خبراء، لكن في غياب أي فاعل نقابي.
اختيار الموضوع في هذا الوقت بالذات يطرح أكثر من سؤال حول قضية الإضراب وهي بالأساس شأن لأطراف العلاقات الانتاجية ولا تقدم عليه النقابات إلا حين ينعدم التفاوض حول المطالب العمالية العادلة والمشروع.
لنعد قليلا للتاريخ، فالطبقة العاملة المغربية استعملت وأبدعت وانتزعت هذا الحق لمواجهة السلطات الاستعمارية الفرنسية، واعتبر ساعتها الإضراب من بين المقاومات التي ساهمت بها نقابة الاتحاد المغربي للشغل في معركة التصدي للطغاة الفرنسية ومقاطعتهم، وهو الشكل الاحتجاجي الذي أعطى وزنه وثقله في معركة التحرير الوطني.
لكن لما يراد اليوم الالتفاف على هذا الحق والمزايدة السياسية عليه وتكبيله، ومن هي الجهة التي من مصلحتها الحيوية استئصال شوكة الكفاح العمالي؟ لنعد قليلا إلى تلك المحاولات الخجولة التي استهدف من ورائها الفاعلون الاقتصاديون بالمغرب، مناوراتهم لإدراج مزيد المرونة في النصوص التشريعية لمدونة الشغل والتي تظل في صيغتها الراهنة تكبل عمليات التسريح للقوى المنتجة.
فأرباب العمل يتحينون الفرص لإدراج بنود تمكنهم من الالتفاف على حقوق العمال، وتسريحهم متى شاءوا، وفي الظروف التي يرونها ملائمة لمصالحهم، وبالعودة إلى ما راكمه أرباب العمل في باب التسريح العمال مع جائحة كورونا، نرى أن العديد من المقولات، بادرت في ظروف الجائحة إلى الفصل التعسفي لعمالتها وبلغت الاحصائيات في هذا الباب 56000 عامل وعاملة بل بعض المقاولات، استغنت عن عمالها القدامى واستبدلتهم بالعمال الجدد، وهو ما يعني التملص من كل التزام اجتماعي للمقاولة وتحميل الطبقة العاملة ولوحدها تبعات الأزمات العابرة والهيكلية.
إن هذه الاختيارات تتعارض جملة وتفصيلا مع الإرادة الملكية، التي دعت أطراف الإنتاج ببلادنا، والحكومة إلى الإشراف على تنزيل، مضامين مشروع برنامج الحماية الاجتماعية، والذي سيهم زهاء 22 ملوينا من المغاربة لتمتين اللحمة الاجتماعية، والسماح للمقاولات الوطنية والدولية بالتطور في ظل استقرار اجتماعي والذي ينبغي حساب كلفته وأهميته في التنمية المستدامة.
لقد سبق لحكومة العدالة والتنمية، أن طرحت على المؤسسة التشريعية للمناقشة والتصويت، مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب واعترضت عليه جميع المركزيات النقابية، سواء على مستوى مضامينه أو الطريقة “الفردية” التي وضع به ورأت في تكبيلا لحق مشروع لا يقبل التنازع فيه وحوله.
ومنذ أكتوبر من العام 2016، تم تعطيل مناقشة المشروع بسبب اختلاف الرؤى بخصوصه، بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وأيضا الاتحاد الدولي للنقابات الذي يضم نحو 331 نقابة عمالية في أزيد من 163 دولة، والذي عبّر عن رفضه للصيغة التي وضع بها مشروع القانون، معتبرا أنها إقصائية للنقابات، باعتبارهم شركاء اجتماعيون، ونظرا لعدم التفاوض بشأن المشروع داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي، مثلما هو متعارف عليه دوليا، عبر الاتحاد الدولي للنقابات إلى رئيس الحكومة المغربية في مراسلة، عن اعتراضه على المشروع .
وهذا الموقف نفسه شدّد عليه وزير الشغل السابق السيد جمال أغماني، وهو بالمناسبة خبير لدولي في مجال الشغل حاليا، حيث اعتبر أن مشروع القانون المتعلق بممارسة حق الاضراب تضمن أخطاء خارقة لجملة من المكتسبات التي حققتها الشغيلة في المغرب، وأن هذه الخروقات سـتضيع على المغرب ريادته في مجال التشريع الاجتماعي، وستعرضه لا محالة للمساءلة الدولية.
فالحق في ممارسة الإضراب حق دولي مشروع، حسبما نصت عليه اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي وقع عليها المغرب في 19 يناير سنة 1977، وصادق عليها في 3 مايو 1979، وجاء في الاتفاقية بمادتها 8 الفقرة (د) “حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقاً لقوانين البلد المعنى”، هذا الحق سوف يترجمه الدستور المغربي من خلال الإشارة إليه في الفصل 29.
وبالعودة للتدقيق في ضيوف الندوة، نجد ممثلا عن الاتحاد العام لمقاولات المغربي، ونجد خبيرا وباحثا في الشأن النقابي، وأستاذا في التعليم العالي، ولا نعثر على نقابي، وهذا المعطى لوحده يطرح أكثر من سؤال عن الخلفيات التي تحكمت في الموضوع، ولا أعتقد أيضا أن السيد جمال أغماني سيخرج عن قناعاته التي عبر عنها في موضوع مشروعية الإضراب واعتباره من الحقوق المرتبطة بالحريات النقابية وفق المعايير الدولية.
وإلى حين انعقاد الندوة ستظل الأسئلة تتناسل والتأويلات تتكاثر عن جدواها، والطبقة العاملة خرجت لتوها من معركة الاستحقاقات المهنية، التي التف عليها السياسيون للوصول بها إلى محطات التفاوض السياسية باستخدام الطبقة العاملة كأداة للضغط عبر مصالح متضادة بين المطالب الاجتماعية والمفاوضات السياسية التي تستهدف تعزيز مواقع الأحزاب في عمليات الصراع الجارية.