العقاب السياسي بالمغرب
بقلم: فؤاد الجعيدي
كلنا يتذكر 4 فبراير من سنة 1998، حين جاء الاتحاد الاشتراكي لقيادة تحالف سياسي حكومي، ضم حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية وهي أحزاب تنتمي إلى الكتلة، انضاف إليها حزبا الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار.
والبلاد ساعتها، كانت تعيش على ايقاعات التحذير، من تعرضها لسكتة قلبية، وما رافقها من تقارير للبنك العالمي بشأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي طرحت وبقوة ضرورة الإصلاحات الشاملة، للتصدي للاضطرابات الاجتماعية التي كانت سنوات التسعين مسرحا لها.
هذا الانتقال، مهدت له إشارات قوية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتوسيع نطاق الحريات العامة وغيرها.
وكلنا يتذكر أيضا، كيف تفاعلت النخب السياسية، من الطبقة الوسطى مع معطى التناوب التوافقي، وما حصدته من زيادات في الأجور وترقيات استثنائية، شملت مختلف السلاليم والدرجات في الوظيفة العمومية، والشبه العمومية، وهي أمور لم يسبق لأي حكومة أن أخذتها بهذا الإصرار القوي والمكلف في ظروف مالية خاصة.
لكن هذه الطبقة المتوسطة، لم ترقها الإجراءات الحازمة التي لجأت إليها حكومة التناوب في إلغاء التسيب للحضور في أوقات العمل، وحث الموظفين من مختلف المواقع على خدمة المواطنين.. فتحركت آليات المقاومة والسخرية من الإجراءات، وامتد النقد لتتبع الهفوات وتضخيم الخصاص وتبخيس الأداء السياسي للحكومة، التي توفقت في إخراج البلاد من أزمتها لاسيما في جوانب المديونة الخارجية.
من ينعتون بالأغلبية الصامتة، هم من تكفلوا بوظائف تبخيس أداء الراحل عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان رجل دولة بكل المقاييس، ويحظى بالاحترام لتاريخه السياسي ونظافته يده. وهي أمور لم تشفع له، عند النخب من الطبقة الوسطى التي حاربته بالكلام وبدون هوادة.
هؤلاء وجزء عريض منهم، من سيحمل في وقت لاحق الداهية، ابن كيران إلى صناديق الاقتراع، ويمكنونه من تبوأ صدارة المشهد السياسي المغربي. وكان العقاب واضحا لحكومة التناوب.
ولم يسترح رئيس الحكومة الإسلاموية على كرسي المسؤولية، حتى بادر إلى عقاب أشد على الطبقة الوسطى واختار لحربه الموظفين، وعلى رأسهم رجال التعليم، ومهد الطريق بالفتاوي الجائرة للاقتطاع من أجورهم وشبههم بعدوى القراد على الكلاب. ولم يتورع في اتخاذ قرارات جائرة في تقاعدهم، ومواجهتهم كلما سمحت الظروف بخطابات شعبوبية، داخل تنظيمات العدالة والتنمية، بالتصريح أن هذا الحزب أتى في المقام الأول لإصلاح أحول مريديه والارتقاء بأوضاعهم الاجتماعية، لينعموا في التمتع بمظاهر الحياة ولا يرى في الأمر من حرج.
الأغلبية التي تنعت بالصامتة، لم تبلع ألسنتها في ظل هذه التراجعات، بل رأت فيها أن هذا الحزب التقي النقي، لم تعط له الفرصة للقيام بالإصلاحات الضرورية لوضع البلاد على سكتها الصحيحة، ورددوا مع صاحبهم لازمة العفاريت والتماسيح.
لكن ما هو في حكم اليقين، أنهم ورثوا عن حكومة التناوب، على الأقل توازنات اجتماعية هامة، وطبقة وسطى نشطة في أدوار التضامن الأسري والاستهلاك المحلي، غير أنهم عبر تدبيرهم وقراراتهم السيئة، عملوا على دك هذه الطبقة دك الجمال للرمال، وأضافوا إليها الطبقة العاملة، والتي يسعون بكل ما يملكون من جشع وحقد اجتماعي اتجاهها، أن ينتزعوا منها كل المكاسب التي حققتها عبر سبعة عقود من النضال المرير ضد الاستغلال. ويصرون على استئصال شوكتها ولو تطلب الأمر المساعدة على تكبيلها.
السيد العثماني، ظل وفيا لسلفه، ولم يزد الطين إلا بلة، في إدارته لأزمة كوفيد بالفرجة عليها من نافذة مكتبه، ولم يحرك ساكنا، ولم يوفر لها برنامجا من التدخلات للحد من أثارها القوية اقتصاديا واجتماعيا، وظل يتبجح بأن صندوق الضمان الاجتماعي، خفف من تداعيات الكارثة، علما أن عدد العمال الذين استفادوا من دعم الصندوق كان ضئيلا، وفي الوقت الذي ناهزت فيه التسريحات 650000 عامل وعاملة، ووجد أرباب العمل في أريحية للتخلص من عمالتهم واستبدالها بأخرى.
السيد العثماني رسخ للهشاشة ودافع عنها بقوة، وجند لها العصا الغليظة على الرؤوس لمن لم تعجبهم أوضاعهم، في هذا الشكل الجديد والذي يعود بنا لنظام السخرة الذي قاومته الطبقة العاملة المغربية مع الاحتلال الفرنسي، ثم لم يكن شفافا في قول الحقيقة، حين كان يصرح وزيره في التربية والتعليم أن هؤلاء المتعاقدون هم مثل زملائهم الرسميين غير أن لهم وضعا توظيفيا مع الأكاديميات، ولم يبتلع لسانه مما لوكه، حتى أتى اليقين من وزير الداخلية، والذي جهر بالحقيقة، لما أخبر المتعاقدين، أن ليس لهم الحق في المشاركة في الانتخابات المهنية، وأن أوضاعهم فيها لبس مقصود، لم يكن يعلمه سوى رئيس الحكومة ومن يجري في فلكه.
كان الرد سريعا على الدرع النقابي للعدالة والتنمية، حيث فقد التمثيلية، والتي لم تكن له في يوم من الأيام، وعاد لاستخدام الدهاء والمكر السياسيين، حين تم الالتفاف على العاملين بالمقاهي، وتسجيلهم كمندوبي للأجراء، لكن السؤال الذي يحيرني، هل هؤلاء العاملات والعاملين بالمقاهي والمخبزات والمقاولات الصغيرة. هل يتوفرون على الضمانات الأجرية المنصوص عليها بمدونة الشغل؟ وهل يتمتعون من طرف أرباب عملهم بتأدية أقساط الانخراط بالتقاعد؟ تلك هي الحكاية التي ستكشف لنا عنها الأيام، بعد أن انتهت معركة الانتخابات العمالية والتي حشر فيها السياسيون أنفهم لضمان نصيب من الرهان عن كعكة بالغرفة الثانية.