جماجم الشهداء واللصوص
يونس وانعيمي
المطلع على وثائق الزواج « غير الشرعي » بين فرنسا والجزائر سيصل سريعا إلى المحصلة الآتية: » كل طرق الإيليزي تمر حتما من قصر المرادية ».
في هذا المقال سأحاول تبيان بعض الأمور التي تكشف أولا أن قصر الإيليزي برؤسائه (على الأقل منذ فرانسوا ميتران) استفادوا من دعم مالي مسترسل من طرف الاوليغارشية الجزائرية مقابل الإبقاء على هذا النظام الجزائري العسكري المشدد. ففرنسا هي الراعية الرسمية لمسلسل نفوق الديمقراطية بهذا البلد الذي لم يتحرر بعد.
في 13 فبراير 2017 زار المرشح للرئاسة، الشاب ايمانويل ماكرون، الجزائر ليس ليلتقي بالأحزاب والجمعيات الحقوقية وليس ليلتقي ممثلي الشباب المحتج خارج للشوارع، بل ليلتقي كبار رجال الأعمال من الفيلقين: الاوليغارك اسعاد ربراب من حلف الجنرال توفيق مدين، والميلياردير علي حداد والأخوة كونيناف الموالين لفيلق بوتفليقة. وكانت أجندة اللقاء واضحة وبسيطة: ادعموا المرشح ايمانويل ماكرون مقابل دعمه وهو رئيس لفرنسا، لتوازن المال والشر في الجزائر.
لكن الاوليغارشية الجزائرية اقترحت مقابلا جديدا على الرئيس المستقبلي لفرنسا آنذاك.
» سنساعدك ماليا مقابل اعترافك واعتراف فرنسا بفظائع الاستعمار الفرنسي للجزائري وترتيبه على أنها جريمة ضد الإنسانية ».
ربما بسذاجة أو ميكيافيلية غير مسبوقة، سيصرح المرشح ماكرون لقناة الشروق نيوز المملوكة لعلي حداد، في مساء 14 فبراير 2017 بكل ما طلبت منه الأوليغارشية الجزائرية. من هذه اللحظة اقتنع قصر المرادية بأن رئيس الإيليزي المقبل، سينفذ كل طلب جزائري مقابل المال. وهي براغماتية شديدة الانحدار لم يسبق أن اقترفتها فرنسا.
طبعا تم سداد فواتير ماكرون من مال جزائري مشبوه تم إرساله « كاش » في أواخر حملة ماكرون الرئاسية. كان المبلغ يقارب 12 مليون أورو تم تفويته للحملة في آخر ثلاث ايام من قرب انتهاءها. فتحت اللجنة الوطنية الفرنسية المكلفة بمراقبة حسابات الحملات الرئاسية لكن سرعان ما طوي الملف.
طبعا فالرئيس ماكرون سيبالغ في تنفيذ طلب الجزائر:
أقام الدنيا ولم يقعدها وهو يدفع بفرنسا نحو مقصلة اتهامها التاريخي بارتكاب فظاعات جنائية بالجزائر وعلى جزائريي فرنسا. وعين لجانا للتحقيق التاريخي وأسند مهامها لأشهر المؤرخين الفرنسيين من أصول جزائرية (بينيامين سطورا) لاصطياد الشرعية العلمية لحماقاته الترويجية الاستنفاعية. وكانت أواخر فصول هذه المسرحية الهزلية هي إرسال كومة من جماجم إنسانية بدعوى أنها لمجاهدين جزائريين حتى فضحت « الواشنطن بوسط » هذه المهزلة وفضحت بأنها جماجم لصوص وقطاع طرق.
السؤال الاول: لماذا تركز الجزائر على هذا المقابل بالذات، اي اعتراف فرنسا بكوارثها الإنسانية والعسكرية في الجزائر؟. اظن أن قصر المرادية يريد توريط فرنسا كسبب مباشر في سوء نماء الجزائر وتحويل فرنسا لمشجب تفسر به الجزائر كل الكوارث الاجتماعية والاقتصادية الجزائرية. وتجعل مسببات الإخفاق الجزائري مسببات فرنسية صرفة. كما يعطي ذلك نفس القدسية المتكررة لقادة جيش تحرير الجزائر الذين حرروا الجزائر من « المحرقة الفرنسية ». ويجعل طلب الدعم الفرنسي الحالي للجزائر شيئا لا يدخل فقط في خانة شراكات اقتصادية وانما شيء ديني يشبه « طلب الغفران من الجزائر لغسل الخطيئة الفرنسية الأصلية ». مسرحية « الجماجم » هي فصل آخر من فصول نفس المسرحية التي يلعبها ماكرون ربما بمجازفات لها تبعات خطيرة على مستقبل العلاقات ليس فقط ما بين فرنسا والجزائر بل بين فرنسا وكل مستعمراتها السابقة.
السؤال الثاني: ما مصلحة الإيليزي في الدخول في هذه الصفقة التي تدين فرنسا وتاريخها بالكامل ؟ ماكرون انسان يؤمن بثمن كل شيء وبقيمة لا شيء. فلا تطلب من بنكي ولاعب أسهم وسليل آل روتشيلد أن يكترث كثيرا بصورة فرنسا العربية والأفريقية وأن يؤمن ببعد النظر، فما همه البارحة هو المال الجزائري لتمويل حملته، وما يهمه اليوم هو غاز الجزائر لتحريره من حرج قتل الفرنسيين بالبرد حتى ولو كان الثمن سب وشتم فرنسا أمام محاكم التاريخ.
السؤال الثالث: ماذا يستنتج المغرب من هذه الصفقة الهزلية « الأركيولوجية » التي لم تعد بالنفع على الجزائر بل استنفع منها بعض العساكر ورجال أعمال قذرين؟ اول الدروس، وقد وعى به المغرب، هو الخروج سريعا من « الحصرية الفرنسية » وتنويع الشراكات مع دول ليس لها هذه البراغماتية الماسونية المقللة من قيم التاريخ والحضارة مقابل حفنة من المال. ثاني الدروس هي الاستمرار في حفر التواجد الأفريقي حيث كانت تتواجد فرنسا لحدود الامس القريب. ففرنسا بتصرفها النذل واستخفافها بنفسها مع الجزائر أصبحت منبوذة داخل الصرح الأفريقي الفرانكوفوني (مالي، السينغال، الكامرون، الكونغو …). يمكن للمغرب أن يكون شريكا-وسيطا لدخول قوى دولية استثمارية لهذا الصرح الفرنسي القديم. روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية تنتظر اعتمادها على الوساطة المغربية لفتح هذه « الطريق الأفريقية الجديدة »
ولتترك الجزائر تستمني أمام جماجمها الفرنسية.