عن فن التجاهل أحكي

عن فن التجاهل أحكي
شارك

ذ/ ثريا الطاهري

     التجاهل فن من فنون الحياة، وهو نوع من النضج الفكري وعدم الاكتراث لما يقوله الآخرون ، والعيش ببساطة وبعفوية وهو ما يجعلك تعطي قيمة كبيرة لنفسك.

           فالحياة غالبا ما تحتاج إلى الكثير من التجاهل المتعدد ، تجاهل للأشخاص، وللأفعال  وحتى للأقوال، لذا ينبغي أن نعود انفسا على التجاهل المرن والذكي الذي ينفع ولايضر، فليس كل الامور تستحق منا التوقف عندها ،والرد  عليها

          وغالبا ما يقال : « إذا أتقنت فن التجاهل ، فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة « ، فالتجاهل من النعم التي يمكن أن تعيد الآخر  إلى حجمه الحقيقي، وتجذر الاشارة الى أن الكثير من  البشر يختلفون في مدى تأثرهم وكيفية تعاملهم مع التجاهل لأنه فعل ثقيل على النفس ويسهم  في هز ثقة الإنسان بذاته.

         وتجذر الإشارة إلى أن هناك مواقف كثيرة في الحياة قد تجعل الواحد منا يتخذ عدة قرارات، وما بين موقف وآخر قد تصوب مسارك  اما بالتجاهل أو بالتغافل أو بالاستغناء أو حتى  بالإهمال او بالصمت ، وعليه فلا مندوحة في تجاهل كل شخص جاملته طويلا، او استحملت منه كل الأشياء التي تدخلك دائرة الطحن اليومي ، وأنت تقاوم بصبر جميل . فالتجاهل سلوك ومسلكيات  تنهل من فن لا يتقنه ويؤمن به إلا الصابرون . ويبقى الرد المسكت والصامت  فن لا يتقنه إلا العباقرة والراسخون في العقلانية ، وليس عليك ياصديقي /صديقتي الا أن تتحلى بخاصية التجاهل  اذا اردت ان تسلم من كل الاذى ، وتتجاوز نوازل الزمن  وضربات الاخرين الذين هم جهنم – حسب قول سارتر – .

         وإذا حدث وتعالى عليك أي شيء ، فما عليك إلا أن تهنه بالتخلي، وإذا استعصى عليك فاقلب الكف عن وصاله، وإذا تغير عليك أحد – ذكرا أو أنتى – فما عليك إلا ان تستغنى عنه وتمنحه نسيانا كاملا ، وتزيله من خريطة التواجد ، وكأنه لم يكن وينتهى الأمر،  وليجعل الواحد منا في حياته حفرة صغيرة يرمي فيها أخطاء وزلات الآخرين، على ان ينسى أو يتناسى مكان تلك الحفرة للمحافظة على التوازن النفسي والسلوكي . وعموما يبقى التجاهل أفضل ردة فعل اتجاه كل من لاينفع معهم الكلام أو الحوار . وهو السلوك الذي يمكن اعتماده عندما تتزاحم حولك التفاهات ، وهنا استحضر المثل القائل :  » الهدرة مع الجاهل تفكع « ، – بمعنى انها تغضب –

          تجاهل صديقي / صديقتي ، فإنك إن وقفت عند كل موقف ، فستكره الكثير من الناس ، خاصة اذا استحضرنا الفكرة القائلة  بان قدرة البشر الهائلة على الإيذاء تبقى كبيرة ومخيفة بشكل هائل ، تجاهل كل تصرف مشين من أشخاص بهت لونهم في عيونك ، واستحملت تصرفاتهم/ن وسلوكاتهم/ن ، فالقوة ليست دائما فيما نقوله او نفعله، ولكن  تكون  احايين كثيرة فيما نصمت عنه، وفيما نتجاهله طواعية وبإرادتنا

          وقد تأتي علينا أوقات تمتلئ صدورنا بكلام إن نحن أخرجناه نصاب بالأذى ، وإن ابقيناه سلمنا من كل التبعات . وأحيانا نكون ملزمين بركوب دوامة الرحيل والاستغناء ، رغم ما قد يصاحب ذلك من فراق مؤلم ، خاصة إذا كان المعني بالامر من الطينة التي يضحى عندها الغلط مجرد استثناء . اما الذين/ اللواتي  تبقى الاغلاط عندهم/ن  عبارة عن طباع فان  بوابة ورفوف  النسيان  هي المسار  الطبيعي  لهن ولهم.

           فتجاهلوا أحبتي كل ما هو غير واضح ، او ما يشعركم بعدم اليقين، تجاهلوا  حتى صوت الذوات ، اذا كانت توشي لكم بأشياء سلبية ، والحالة هذه فان التجاهل لن يكون الا حلا منطقيا  وانتقاما راقيا  يفترضه علينا الموقف / المواقف ، علما ان هناك اشياء وأشخاص قد  لا يمكنك أن نتجاهلها أو نتغافل عنها ، فنجد أنفسنا  ملزمين ببذل قصارى الجهود  اتجاههم/ن ، فنكون ملزمين بتجرع  كأس التغافل حتى الثمالة ، ونتجاهل كل الزلات والأخطاء حتى لانصاب مع الزمن بالسكري ، وهنا يستحضرني المثل القائل :  » تسعة أعشار العافية في التغافل، بل هي تمام العافية  » وقد نجد انفسنا في الكثير من الحالات ، وامام العديد من النوازل ، ملزمين بركوب حافلة  التجاهل المتعمد ، حتى نحافظ على النسيج العلائقي الذي تفترضه علينا قناعاتنا وتشبتنا بقيمنا  .

            ولعل أصعب شيء في الحياة، أن نجد انفسنا مجبورين على تجاهل أشخاص كانوا في يوم من الأيام ضمن زمرة الاصفياء والاحبة، وبقدرة قادر تتغير المحطات وتتباين المواقف ، فنضطر الى التجاهل والتغافل ليس ضعفا وإنما طمعا في الصفاء النفسي، خاصة وان الحياة أحيانا لا تستمر إلا بالتجاوز وغض الطرف ، فالتجاوز  المصاحب لسقوط الأقنعة لا ولن  يأخذ فرحتك ابدا ، لأنه أتى نتيجة طبيعية  لمن رحل عنك برغبته / ها ، فمن استغنى فاعلم انك انت عنه اغنى وبكثير . فليس الجميع يستحق احترامك، فهناك من يستحق تجاهلك حتى يحترم نفسه أولا ، ويتعلم احترام الاخرين ثانيا

          ان أجمل شعور هو أن نشعر بأننا لا نهون، وأننا صادقون حتى لو أخطأنا  أو خانتنا  الاحاسيس والتعابير ، وأننا من طينة اللذين  لا يستغنى عنهم/هن حتى  في اسوء الحالات النفسية او المزاجية التي تولدها – بين الحين والاخر – بعض قوانين الحياة وظروفها الطارئة ، فنعمد الى الاكتفاء بغض النظر وإدارة  الظهرعن كل ما يزعجنا .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *