كرسي « عاق  » ! ……

كرسي « عاق  » ! ……
شارك

بقلم حسن برني زعيم

هبت رياح هوجاء عاصفة على شجرة مهجور بعيدة عن حركة الناس والسيارات، تحركت الشجرة وتمايلت، انسل من بين أضلاعها كرسي وراح يبحث عن وظيفة، فقد مل الجلوس بلا حاجة، منذ سنين وهو يطمح لأن يجلس عليه أحد.

   قطع مسافة طويلة يتلوى بين الأحياء المزدحمة حتى وصل إلى الأحياء الفسيحة المريحة فسار مستقيما، كم كان سعيدا، لا التواء في الطرقات ولا حفر ولا عقبات.

   تذكر أنه يستطيع أن يمشي على أربع كما يمشي على اثنتين، لكنه ظل حائرا بين الاختيارين وقال: ماذا يحدث لو مشيت على اثنتين؟

مال نحو شجرة ظليلة ليستريح قليلا وأعاد السؤال: ماذا يحدث لو رفعت رجلين ومشيت فقط على الأخريين؟

 أجابه الصدى:

   – سيلفقون إليك تهمة ” الإنسان “.

   – قال: وما علاقة هذه التهمة برفع الرجلين؟ فليس وحده الإنسان من يسير على رجلين ويرفع اثنتين، وما كل من رفع رجليه كان ماشيا .

   – هم لا يرون المرفوعات، لكن تهمتك ” الإنسانية” أنك ” تمشي على اثنتين “

   – والدجاج والبط؟ بماذا سيتهمونه؟

   – تهمته التقصير في البحث عن طريقة تساعده على الطيران، فمثله مثل الطيور الأخرى، فلماذا لا يطير؟ ألا ترى أن الأجنحة مضيعة للمساحة إذا لم تؤد وظيفة التحليق؟ وهي الوظيفة التي تناسبها…

– وماذا عن الزواحف والسوابح؟

– هذا السؤال المقارن يكفيك ، ويرغمك على الاستغراب ويضمن لك حقك في  الصمت المزمن  وفي البحث عن الجواب مدى الحياة.

 غادر الكرسي مكان الظل، وفضل الحر، فلم يأته الظل إلا بالوساوس والخوف، وجلب

إليه التهم البالية، لكنه توقف مرة أخرى في مكان ظليل، بعيدا عن الشجر، وقريبا من حائط، لعله فهم أن الشجرة هي من “سخر” له الصدى ليحاوره ذلك الحوار السخيف ، وهذا الإحساس المخيف…

  في هذا المكان تواردت عليه أسئلة أخرى كثيرة:

   – لماذا لا توجه التهم إلى الكراسي الأخرى، فهي في العالم كثيرة ومتنوعة …وظل يردد:

 “سأنسى كل شيء، أنا لم أكن يوما كرسيا، ولن أكون،  أنا جزء من شجرة، أو أنا حطام منها فقط… ماذا جنيت من هذه” الصفة” بعد انفصالي عن الشجرة؟

   قال الصدى :

    – لا لا ، اصمد إن كنت ، حقا، من الشجرة، واعتن بنفسك ،وسترى الناس يتسابقون من أجلك، وخاصة إذا ذهبت إلى البادية المجاورة …فحالك هذه لم تعد مقبولة بالمدينة ، فقد حكى أحد أصدقائي أن حروبا تقوم من أجل كرسي متسخ مثلك ، والباحثون عنه يصرفون الأموال الطائلة ليصفق عليهم الناس يوم يجلسون عليه…فكر مليا قبل الردة…

   صعب على الكرسي أن يدرك هذا الكلام، فهو متأكد أن لا قيمة له، وأن أمثاله كثيرون لا يهتم بهم أحد، فلماذا تقوم الحرب من أجله هو بالضبط؟

 وبينما هو بجانب الحائط يفكر في الجواب مرت دجاجة آتية من البادية فسألها:

 ” هل سمعت ما قال هذا؟ الحرب من أجلي؟ ومن أجل أمثالي ؟

  – قالت : ” في السنة الماضية خسر رجل فرصة الجلوس على الكرسي فأمر أصحابه بتخريب بيضي وأمر الديوك بالتخلي عني حتى صار بيضي لا ينظر إليه أحد، واختلقوا الفضائح ونسبوها إلي، وتلاعبت بسيرتي الصحافة وتاجرت فيها بكل الألوان والحروف …ولذلك تراني هاربة من الدوار أختبئ بجانب الأسوار، فقد خسرت كل بيضي بعدما اتهموني وديكي العزيز بالفساد والبيض غير المشروع و” تبييض البيض”.

   – لكن، من دلهم على هذا النوع من التهم ؟

   – التهم جاهزة في الرفوف، وتنتظر من يناسبها، فقد صارت كالملابس الجاهزة حينما يتعلق الأمر بالجلوس على الكرسي…وآخر مرة اتهموني بالدعارة…

رد الكرسي مستغربا : الدعارة في مجتمع الدجاج ؟

   – وكيف أثبتوا ذلك؟

   – بسيطة:  أخذوا ما تبقى من  بيضي إلى مختبر تحليلات يحمل اسما إفرنجا غريبا ينادونه ” باستور “وأثبتوا أني لم ألتق بديكي العزيز منذ أيام سبعة وليال ثمان، وأن البيضة التي بيننا افتراء وادعاء ، وأن صلاحيتها قد انتهت قبل سنوات من إجراء آخر اقتراع، وظللت أحتفظ  بها في أحشائي حتى ظهرت نتائج الاقتراع، وهذا معنى” تبييض البيض” كما وصفوه لي.

  – ولماذا لا يدققون هكذا حينما يتعلق الأمر بالأطفال؟ فهل البيض أغلى من الأطفال؟

  – قالت الدجاجة ناصحة:

    ” عد  إلى الشجرة التي أنجبتك وتخليت عنها ، فإن وجدت مكانك فيها فارغا ينتظر عودتك، سيعود كتكوتي، أنا أيضا ، إلي بيضتي، و يومئذ نستطيع أن نكذب ” باستور”.وستكون أنت ووارث بيضي مخلوقين مشروعين ….وإلا  فتهمتك الجاهزة ستكون:  أنت “كرسي عاق”، هجر أمه / الشجرة ولم يلتفت …

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *