بعض من أسباب خراب المؤسسات الحزبية

بعض من أسباب خراب المؤسسات الحزبية
شارك

فؤاد الجعيدي

إلى حدود الآن، لم ترق الأحزاب الوطنية بيمينها ويسارها للتأسيس للمؤسسة الحزبية كمؤسسة دستورية يحق للمغاربة الانتماء إليها وممارسة حقوقهم السياسية كما هي متعارف عليها في الأنظمة الكونية وتسمح للمنتسبين لها وتضمن لهم حقوق التعبير الحر عن مواقفهم ولا تجرأ على طردهم في لحظات سوء التقدير لما ينبغي أن تكون عليه المواقف من القضايا ذات الأولويات الكبرى، وأن لا يكون التنظيم الحزبي أداة ولعبة في يد رجل أو مرأة مهما اتسع نفوذه داخل التنظيم السياسي، وأن تتمتع باستقلالية هياكلها، عن باقي الأطراف في المجتمع.

تاريخ الأحزاب على هذا المستوى، ينقل لنا تجارب لم نستخرج منها الخلاصات المطلوبة على مدى سبعة عقود، وذاكرتنا الوطنية لا زلت تحتفظ لنا بما يشبه مسرحيات، تنضاف إلى التراث المأساوي في جوانبه السياسية..

فحزب الأحرار أنهى مسار مناضليه بما يشبه اقتلاع ضرس مريض، كما حدث مع المصطفى المنصوري وصلاح الدين مزوار، الذين جاؤوا تحت أشعة الأضواء الكاشفة ثم غادروا المشهد السياسي من أبواب ضيقة.

أما الحزب الوطني الديمقراطي فقد عاش تجربة أصيب معها الراحل القديري بشماتة كبرى، حين سرق منه تنظيمه في تحالف عمل على أكل الرجل في واضحة النهار.

حزب الاستقلال عرف بدوره انتهاكا لرجالات كانوا من طينة المفكرين والعارفين بخبايا الأمور، ثم انتهى به المطاف مع بشباط الذي لا يحسن ضبط اللسان سوى أنه يتمتع بشعبوية، تشبه اللغط في الأسواق الشعبية والذي أقام الدنيا ولم يقعدها بتلك الخرجات غير الموفقة والتي كادت أن تشعل مشكلا ديبلوماسيا كانت البلاد في غنى عنه.

حزب الاتحاد الاشتراكي عاش هزات متوالية، واستبدل عبد الرحمان اليوسفي بمحمد اليازغي كاتبا أولا بالنيابة وانتهى المطاف إلى السيد ادريس لشكر، الذي شل وظيفة مؤسسة المكتب السياسي للحزب وغدا الآمر الناهي ولا كلمة تعلو فوق  كلامه الغليظ بكل المعاني الدلالية للغلظة.

حزب التقدم والاشتراكية ومنذ المؤتمر الخامس عاش تجربة حسن التخلص من التهامي الخياري بفضل دهاء وحنكة علي يعته، لكن برحيله تم تدبير الخلافة بقوة الإنزال إلى أن استقر الأمر لإسماعيل العلوي الذي مهد الطريق للحاج نبيل، والذي أسس لأعراف  فوق القواعد التنظيمية والأسس الديمقراطية وبات متخصصا في توفير التزكيات التي سلخت الحزب عن هويته الطبقية وجذوره العمالية ولم  يعد له خجل من جلب الأعيان والدفاع لهم عن رقعة للتواجد بهذا الحزب الذي كان إلى زمن قريب يعد حزب النخبة التي تحظى بالاحترام والتقدير لدى الخصوم قبل الأصدقاء

الاشتراكيون الموحدون وجدوا سيدتهم، التي اؤتمنت على سر الوحدة الثلاثية بين فصائل من اليسار المغربي، استفاقوا على تنكرها الفردي لتعاقد اجتماعي كانت وراءه آمال مئات المناضلات والمناضلين في نسج اندماج وحدوي.

حزب الأصالة والمعاصرة لم يشد عن هذه القاعدة، فمنذ أتى إلياس العماري الذي أقام الدنيا ولم يقعدها وقدم على أساس أن المالك للخيوط بالريف، ولما اهتز هذا الريف هزته الاجتماعية، لم يكن إلياس يتحكم في الفرامل الاجتماعية، كما نصب لذلك بدعاية مغلوطة، وبعده بنشماس ثم الأستاذ وهبي الذي يقوم بعمليات التلحيم اليوم لمفاصل الحزب.

الخلاصة أن هذه الأوضاع وفي كل محطة، ومع أي حزب تؤشر بالواضح والمفضوح، أن المؤسسات الحزبية ببلادنا لم تؤسس على قواعد تجعل من التنظيمات السياسية فوق أهواء الأفراد، واعتباراتهم الذاتية التي يقدرون بها الأمور، أو كما يصور ساعة قدومهم أنهم رجالات مرحلة سرعان ما يتم اكتشافهم أنهم لا يقوون على التأثير المطلوب.

وأن الأحزاب لم تستفد من تاريخ بلادنا، وكيف تفاعلت مع أحداث جسام؟ وكيف جارت تحولات عميقة، عصفت بأنظمة سياسية وأدخلتها في خبر كان كما حدث في العراق وتونس وليبيا.

بلادنا كلفتها مرحلة بناء مؤسسات الدولة، تاريخا من الصراعات، كان لها وجهها الدموي في بعض المحطات العابرة، لكنها تمكنت من وضع قطار البلاد على سكة صمام الأمان، بما أنتجته من مؤسسات لازال الإصلاح بها جاريا من أجل الدخول إلى حضيرة البلدان المؤثرة في محيطها القاري والجهوي.

بلادنا كان فيها الإنصات الشديد والقوي للمؤسسة الملكية، كان فيها الاشتغال الدائم على الاستراتيجيات المتوسطة الأمد والبعيدة،  وكانت لها النظرة الاستباقية، فيما ينبغي أن يكون عليه هذا المغرب العريق بين أمم الدنيا، ومساهمته وحفاظه على الأمن والسلم في منطقة الشمال الإفريقي التي عرفت صراعات مفتعلة من أجل هيمنة الجزائر لتلعب أدوارا لم تكن لتنسجم مع وزنها وتاريخها .

لكن الأحزاب الوطنية لم تبذل نفس الجهود لتكون المؤسسات الحزبية لها الاستقرار التنظيمي، وأن لا تتأثر بالهزات العابرة التي تكشف عن هشاشة بنياتها وأنها لا تغدو في نهاية المطاف سوى عصا بيد شخص له فيها المآرب ويهش بها على قطيعه متى شاء.

وهذا الوضع بالذات هو الذي جعل الأحزاب غير قادرة كمؤسسات على إنتاج الأفكار، وإبداع المشاريع، وتأطير المواطنين والرفع من وعيهم وتربيتهم التربية التي تتماشى مع عصر دمقرطة المعلومة وانتشار فضاءات التعبير التناظري، وتوسيع الاهتمام بالقضايا المجتمعية وصياغة رؤى للتغلب على الخصاص الموجود في المجتمع. بل باتت تتضايق من الرؤى الشبابية، في وسائل التواصل الاجتماعي، وما يكونونه من آراء ومواقف حول الفاعلين السياسيين الذين بات جزء منهم يطالب جهرا للحد من إمكانيات التعبير والمطالبة بمحاكمتها.

إن واقع الأحزاب اليوم، عليه الانفتاح أكثر نحو أساليب القيادة الجماعية في التدبير السياسي للعمل الحزبي، والتناوب من داخلها على التعريف بمواقف الحزب من القضايا وسط العموم، والسماح لكل من موقعه في القيادات الوطنية أن يكون في المكان المناسب له وقدراته وكفاءاته.

إن رؤساء الأحزاب تجدهم يتحدثون، في الطب وكورونا والفلاحة والصناعة والمالية والقضايا الاجتماعية والمجالية، ويتوهمون أنهم العارفون والمحيطون بالمعارف وبالمدارك وتلك هي المداخل الصحيحة لمصائبنا اليوم، وعلى الأحزاب السعي لإعادة تنظيم بنياتها وتمكينها من ردع النزوات الخاصة وتخلق كراسي متعددة لتكون صمام الأمان في مواجهة من يعشقون الخلود ويضرون بتنظيماتهم قبل ضررهم بالمصالح الحيوية الاجتماعية التي يمثلونها.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *