انعكاسات املاءات المؤسسات الدولية على السياسة التعليمية بالمغرب
محمد السميري
في إطار الاحتقان الذي يعرفه الشارع المغربي، والذي يطول مجالات متعددة، يبرز قطاع التعليم كجزء من الحراك الاجتماعي الذي تعرفه البلاد، باعتباره قطاعا يتحدد داخل علاقات الإنتاج القائمة لا بمعزل عنها، وبالتالي فإن الحديث عن « اصلاح المنظومة التعليمية » كشعار تتبناه الدولة في كل حقبة، يشي كما يقول بيير بورديو » حينما تسمع الحديث عن إصلاح المدرسة، فاحذر، فإن الأمر يتعلق بتخريبها! » فهل حقا تتوخى الدولة عبر شعارها توفير التعليم للفئات العريضة من الشعب، كحق تنص عليه المواثيق الدولية والمنصوص عليه في الاعلام العالمي لحقوق الانسان(1948)؟ يبدو ان ما كشفت عنه معطيات البنك الدولي، أن نسبة الأطفال المغاربة الذين لم يصلوا إلى مستوى الإتقان في سن متأخرة بالمرحلة الابتدائية، تجعل المغرب في مرتبة متأخرة مقارنة بالبحرين وقطر والإمارات والسعودية وعمان، فيما تسجل أعلى نسبة في اليمن بحوالي 95 في المائة. وبذلك فإن حقل التعليم لا يمكن فصله عن التجاذبات والصراعات السياسية، فقد ربطت الدولة التعليم بروح المقاولة كتوجه نيوليبرالي نفعي هدفه الربح المادي على حساب أبناء الشعب، فمنذ التقويم الهيكلي (1980) الذي تمثل في سن سياسة تقشفية حادة، بلغت ذروتها في قانون مالية سنة 1983، عبر الإجراءات التالية: إلغاء 19000 منصب مالي في الوظيفة العمومية (من أصل 44000 كانت مبرمجة سابقا) الى تقرير 1985الذي دعا الى سن سياسة التقشف، إلى فتح القطاع للاستثمارات الرأسمالية الخاصة وتحفيزها. حيث اخضع التعليم الى منطق السوق، فتقلصت الميزانية العامة لقطاع التعليم من 20.5% في 1995 إلى 16.9% في 2021 وكان من نتائج هذه السياسات اللا شعبية المجحفة، ميلاد « الميثاق الوطني/الطبقي » ثم البرنامج الاستعجالي (2009-2012) كمحطة إصلاحية تروم استدراك ما لم يحققه الميثاق بحسب الادعاءات الرسمية. وكآخر الابداعات التي ستدق آخر اسفين في نعش القطاع التعليمي تأتي « وثيقة الرؤية الاستراتيجية »(2015-2030) ومن أبرز ما دعت اليه هذه الرؤية فتح المجال امام التعليم بالتعاقد، والذي كان من نتائجه ضرب مكتسبات حقوق هيئة التدريس وتفكيك الحركة النقابية، بهدف اضاعفها ومن تم عزلها، هذا الى جاب خوصصة القطاع بما يتلاءم ومتطلبات السوق بهدف الربح والمنافسة، بدعوى خفض الأعباء المالية على الدولة، لكن في الواقع كان الهدف هو المزيد من التسليع والخوصصة. والتي كان من بين نتائجها التدهور السلبي للأوضاع الاجتماعية للمدرسات والمدرسين؛ فيما يتعلق بالأجور، والترقي، وشروط التقاعد.
يظهر مما سبق ان « اصلاح التعليم » حق يراد به باطل ،فإملاءات البنك الدولي والبنك العالمي جعلت من المغرب رهينة لهذه المؤسسات، فلا امل في « اصلاح » يتملص من تمويل قطاع حيوي لصالح القطاع الخاص، ولا امل في « اصلاح » يجعل من التعليم اداة حكامة سياسية يتم توظيفها من لدن الدولة بغرض خلق تراتبية طبقية واجتماعية ،تعيد انتاج نفس علاقات الانتاج السائدة ،وتعيد انتاج نظام الاستبداد القائم على الجهل والامية .فالأمل في مواصلة النضالات لإسقاط التقويم الهيكلي والميثاق الطبقي، والمخطط الاستعجالي ولن يتم ذلك الا بإسقاط سياسة البنك العالمي والبنك الدولي والوقوف الى جانب ضحايا الشعب الذين يمارس عليهم التجهيل والتفقير والامية والبطالة.