منزلقات تسييس الانتخابات المهنية للأجراء
فؤاد الجعيدي
في الولايات المتحدة الأمريكية دعا الرئيس جون بايدن العمال إلى الانخراط، في التنظيمات النقابية وهو يدرك الغنائم التي سيحصدها المجتمع، حين يكون العمال منظمين ومؤطرين داخل تنظيم يشارك باسمهم في الخطط والاستراتيجيات الوطنية لتفادي الهزات الاجتماعية.
كانت هذه هي إحدى الخلاصات القوية، التي خرج بها الأمريكيون من الانتخابات الرئاسية التي أطاحت برأس الشعبوي ترامب، الذي كاد أن يجر الديمقراطية الأمريكية للتناحر العلني.
نحن في المغرب لم نستفد بعد من أن التعدد النقابي، لم يساهم في تعزيز السياسات الاجتماعية، بقدر ما أتاح فرصا للتناحر بين العمال وهو تناحر، تغذيه التوجهات الحزبية التي تسعى بأذرعها النقابية، للدفاع عن مواقعها داخل الخريطة السياسية ثم تنشغل بالتفاوض السياسي حول المشاركة في الحكومة.
إن هذا الوضع غير الطبيعي أدى إلى إضعاف الطبقة العاملة، ولم ولن يكون مؤهلا للمساهمة في الارتقاء بالقطاع غير المهيكل، وحمل عماله وأرباب عمله، على تنظيم أنفسهم داخل التمثيليات العمالية وأرباب العمل.
إن الانتخابات المهنية التي انطلق مسلسل عملياتها، تهم المأجورين وحدهم في اختياراتهم لممثليهم كمندوبين للأجراء، وممثلين في اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء، وهذه التمثيلية تجد موقع اشتغالها في فضاءات المقاولات أو العلاقة المهنية، التي تهم الموظفين في مساراتهم المهنية وترقيتهم في الوظائف، وهي بطبيعتها ليست مجالات للصراع السياسي الذي تحكمه خلفيات وأهداف، تتعلق بالسياسات العمومية حيث تتنافس القوى السياسية، على تمثيليات أخرى في المؤسسات التشريعية والمنتخبة.
من هذه المنطلقات، تؤكد تجاربنا السابقة، أن دخول الأذرع النقابية للأحزاب السياسة إلى هذا المعترك، تتلخص أهدافه في استخدام القوى العاملة للمزايدات والتفاوض بقوتها، وإذا ما حدث أن أصبحت قوة سياسية مشاركة في الائتلاف الحكومي، كبحت جماح نقاباتها وفرملتها في ممارسة الضغوطات المطلوبة على الملفات المطلبية، بل تم تسجيل أن بعض الأحزاب السياسية، ومن أجل تمرير قوانين ضد مصالح العمال، كان هناك تواطؤ بالغياب أو الامتناع عن التصويت لتمرير قانون التقاعد والذي سجلت به تراجعات مست المكاسب القديمة للمأجورين.
صحيح أن ظروفنا الوطنية، لم تبلغ بعد النضج المطلوب، في هذه المرحلة التاريخية، من أجل ابتعاد الأحزاب الوطنية على تجاوز الاستناد على العمال واستمالتهم للارتقاء السياسي، لكن المؤشرات التي حملها المشروع الملكي في تعزيز الحماية الاجتماعية لكافة المأجورين وبالأخص في القطاع الخاص، يدعو كل الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين، لإعادة التفكير في أشكال تنظيم التمثيليات العمالية، وتمتيعها بمزيد من الاستقلالية وفق قوانين مكتب العمل الدولي في تشريعاته الأممية.
فكلما كانت النقابات قوية، وموجدة وذات تحكم جيد في تأطير العمال، من كل المواقع الانتاجية والخدماتية للمجتمع، إلا وتحققت التوازنات المطلوبة في الحياة الاجتماعية، وتمكنا من تجاوز الاختلالات والتداخلات في الممارسة والأداء، وحصدنا قوة التجانس في الأداء الإنتاجي للمجتمع، وتمكنا من تحقيق الإنصاف بين فئات المجتمع. وعجلنا بالفوز في تدبير إشكاليات توزيع الثروة والمقدرات الوطنية وتحقيق مثل العدالة الاجتماعية.
إن النموذج الإسكندنافي، يقدم لنا أسلوبا يحتذى به اليوم في تحقيق السعادة داخل المجتمع وتجاوز التناحر الطبقي والهزات الاجتماعية.
إننا اليوم نلاحظ بكثير من الحسرة، هذه الصراعات المفتعلة والقائمة بين النقابات ذات الانتماءات السياسية، وما توجد فيه من مواقف محرجة في تفسير مواقفها من قضايا الطبقة العاملة، ولا سيما في المحطات التي فاوضت بها من أجل منافع سياسية عابرة ومتحولة، بل وساهمت في تعطيل مسلسل الكفاح الاجتماعي وألحقت به الضرر.
إن من الحقوق الأساسية للناس، الحق في الاختيارات الحرة للانتماء لهذا الحزب أو ذاك، لكن لا يوجد أي تعارض في أن يكون المأجورين منهم داخل نقابة واحدة، وتتمتع بكل الضمانات في الاستقلالية المطلوبة عن هذه الأحزاب ولا تدافع إلا عن العمال وعن مصالحهم.
إن المأجورين لا يشكلون فيما بينهم وبالضرورة خصوما وأعداء، بل لهم مصالح مشتركة في علاقاتهم مع المشغل سواء كان هذا المشغل فردا أو مؤسسة عمومية أو خاصة، وهذه العلاقة يحكمها صراع دائم في المطالب، والسعي الدائم لتحسين شروط وظروف العمل وتحسين الأوضاع الأجرية، وكلما كانوا يشكلون قوة موحدة ومتضامنة تمكنوا من الفوز والانتصار لهذه المطالب، وتعززت سبل تفاوضهم الجماعي. لكن كلما انقسموا وتوزعوا ضعفت شوكتهم في التأثير، وكانوا عرضة للتسويف وتعليق المطالب.
إن هذه الصورة تتضح اليوم، مع الحكومة التي تعددت مناوراتها وتملصها من التزامات قطعتها على نفسها، وصدها عن الجلوس لطاولة التفاوض مع المأجورين، لكن مع أرباب العمل الذين يتمتعون بصوت واحد وبتعبير نقابي موحد، لا تردد الحكومة في الرضوخ لمطالبهم والأخذ بعين الاعتبار مقترحاتهم في مشاريع الميزانيات .