ملاحظات عابرة، ومقلقة عن المشهد السياسي

ملاحظات عابرة، ومقلقة عن المشهد السياسي
شارك

فؤاد الجعيدي

ما حققه المغرب من تراكم، خلال تاريخه الممتد من الاستقلال إلى يومنا هذا، يوحي ويؤكد أننا خرجنا من مرحلة اصطدام الدولة العنيف مع القوى السياسية، وبالأخص اليسارية منها،  واجتزنا ظروفا عصيبة قد أصبحت جزءا من الذاكرة الوطنية.

لكن اليوم يتأكد أكثر من أي وقت مضى، أن مشهدنا السياسي آخذ في التحول والقبول، بكل أطيافه وحساسياته الفكرية والإيديولوجية، فاليسار الذي ظل لعقود في المعارضة، جرب تدبير الشأن العمومي مع حكومة التناوب التوافقي، في الوقت الذي نضجت فيه الظروف الوطنية، للحديث على أن مشهدنا السياسي في حاجة إلى قطبية سياسية مشكلة من قوتين تتناوب على تدبير شؤون البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..

لكن مع أحداث الربيع العربي، برزت حركة 20 فبراير التي رفعت شعارات قوية للتغيير، لكن ما كانت تفتقد إليه هو امتلاك  مشروع سياسي قابل للإنجاز،  لما ينبغي أن تكون عليه أوضاع المغاربة في الألفية الثالثة ، حيث تلقفت قوى اليمين المتمثل في العدالة والتنمية هذا الشعور بالإحباط الاجتماعي، ونسجت منه أوهاما لتغيير مؤجل، وما عملت عليه سوى تبخيس السياسة بخطابات شعبوية بلغت مداها في اتخاذ إجراءات كان المتضرر الأول منها الفئات الهشة والقوى العاملة ووصل التذمر إلى الفئات الوسطى.

وعلى امتداد تجربة العدالة والتنمية، وصلت أوضاع البلاد إلى حد لا يطاق، وأتى الحكم عليها من طرف أعلى سلطة بالبلاد، بأن الاختيارات السياسية والاقتصادية وصلت مداها، وبات من الضروري على كل أطراف المجتمع وقواه الحية، البحث في نموذج تنموي جديد يقع عليه التوافق مجتمعيا.

صحيح أن هناك أحزابا سياسية استثمرت، في عمليات بناء تنظيماتها، وانفتحت على مطالب المجتمع، وعلى أساسها خاضت المعركة الانتخابية( الأحرار والأصالة والمعاصر والاستقلال )، وتوجت عملها بالحصول على أغلبية مريحة. ولم يعد في قاموسنا السياسي مجالا للحديث عن أحزاب إدارية، بل هناك يمين وطني، تمكن من استرداد ثقة المواطنين في العمل السياسي، مع تبني كل شعارات وأهداف المرحلة وهو خطاب يتلاقى في الكثير من أوجهه مع الخطابات السياسية اليسارية من مثل بناء الدولة الاجتماعية وتوفير نظم الحماية الاجتماعية للمواطنين..

في حين ازدادت قوى اليسار تفككا، بصراعاتها داخلية، والتي لم ينجو منها أي فصيل سياسي، والعنوان العريض لهذه المعارك الداخلية هو تغييب الديمقراطية وشل التنظيمات الحزبية وإعلان الطلاق مع العديد من المناضلين المطالبين بدفء العلاقات بينهم.

إن هذه التشنجات ساهمت بشكل أو بآخر في تقوية حوافز الترحال السياسي، من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمن، في حين ظلت النخب المثقفة تستهجن، هذه الصراعات وتنآى عن الخوض فيها، ومناضلو الأحزاب اليسارية لا يترددون في فضح النوايا الداخلية لبيوتهم ونشر غسيلها بقوة على الواجهة الإعلامية. وتعتبر أن المتحكمين في لعبة المواقع، يميلون أكثر للدفاع عن مصالحهم الأنانية والضيقة واستخدام السياسة للابتزاز وهو ابتزاز تتعدد أوجهه ورسائله المشفرة.

وفي خضم كل الآمال التي يعيش عليها المجتمع، للخروج من عنق الزجاجة، بما جاء من تعهدات والتزامات في التصريح الحكومي، نتساءل عن الأدوار التي يمكن أن يلعبها هؤلاء الذين اصطفوا في المعارضة، هل بوسعهم في حالة الشتات والتنافر الذي يحكمهم الآن، أن يساهموا في المشروع المجتمعي الجديد وتحدياته الخارجية والداخلية، وهل لهم القابلية والإرادة السياسية للبحث في أفق توحيد العمل السياسي من منطلقات المشترك السياسي والإيديولوجي الذي يوحدهم عبر مصالحة وطنية تغيب فيها العوامل الذاتية الضاغطة و الأنانيات المعيبة في أي ممارسة سياسية؟

ربما لا يلوح في الأفق أي جواب إيجابي عن التحالفات المعطلة بين قوى اليسار، وعليه فإن التجارب التي مر منها اليمين وخرج فيها منتصرا، وموحدا على برنامج سياسي، أن تكون درسا من الدروس المفيدة لهذا اليسار، لإعادة تجديد دمائه بالعود إلى أصوله وجذوره دفاعا عن هذا المستقبل، الذي يظل صناعة محلية بامتياز، ولا أحد غير المغاربة يتحمل هذه المسؤولية التاريخية، التي حان للمثقفين أن يخرجوا من صمتهم لتقليب مواجعها بالنقاش الفكري والعلمي الذي تراهن عليه البلاد لضمان فوزها بكل أوراشها المفتوحة.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *