عن جمال لغة الضاد
يكتبها: ذ. المعانيد الشرقي ناجي
لم أجد في لغات الكون بهجة وانجذابا كما وجدته في اللغة العربية وجمال فصيحها ومفرداتها الغناء، كان لي معها لقاءٌ مبكر في الصبا، تعلمتُ حروفها الجذابة وملأت شرايين دمي وتنفستها رئتاي ونطقتُ حروفها بادئ دي بدءٍ في الكُتَّاب مع رفاقي في زقاق مدينتي، فسقطتُ في غِوايتها بشكل لاشعوري.
أشهد أنني أُعجبتُ بأناشيدها ومحفوظاتها وأنا في عز الطفولة، بدأتُ أقرأ وأكتب حروفها وألعب بمفرداتها كما يُداعب الأب طفلته في أرجوحة البستان، نما فكري على شجرة أغصانها الوارفة واشتد عودي على النحو والإعراب وسلاسة التعبير وجمال الأسلوب بمجاراة الرواية والشعر والمقالة، وكانت رفقتي من الطينة ذاتها مولعة بحب اللغة العربية حد الجنون، لقد سكنت حروفها كياننا وكانت مراسلاتنا بين الأحبة والعشاق بحروفها وجميل صنوف معانيها حتى استوطنت وجداننا واتخذنا داخل دروبها مسكنا فسيحا، إنها لعمري مملكة عشاق الإبداع والبوح بجميل صنوف المعاني وضروب الدلالات.
لم يكن داعٍ لفراق القراءة أو التقاعس عنها يوما من الأيام، بل كنا نجول ونصول داخل ثنايا أمهات الكتب على اختلاف صنوفها وأنواعها، نمتص رحيق العبارات كما يمتص الطفل الرضيع حلمة أمه، لا نبارح مكاننا إلا وقد أخذنا بين دراعينا كتبا في شكل روايات أو قصص نمتح من رحقيها أدبا رفيعا.. حتى اشتد عودنا ونضج فكرنا، وها نحن نكتب بحروفها أرخبيلا من الخرائط الأدبية نجوب بها العالم عبر التواصل والوصال مع الأحبة والأصدقاء، لأننا وجدنا فيها الحبل المثين والركن الركين والمملكة التي تأوينا لنخرج من دواخلنا ما تجود به مشاعرنا تجاه الطبيعة والإنسان، بالتغني بأريجها وجمال بساتينها، وتارة نرسم معاناتنا بحروفها التي تُسعفنا في التنفيس عن ذواتنا التي يضيق بها الحال في زحمة السؤال.
