خيبة الإعلام الوطني في زمن اقتصاد المعرفة
فؤاد الجعيدي
ليس قدر علينا، أن نظل نجتر نفس الأسئلة منذ 2005 في تطلعاتنا المجتمعية، أن يكون لنا إعلام فاعل وجريء في مواكبة التحولات الجارية في المغرب، على الأقل منذ وصول حكومة التناوب الأولى إلى إدارة الشأن العمومي.
نحن في الاتحاد المغربي للشغل، قد راكمنا تجارب وطنية مهمة على الواجهة الإعلامية في مرحلة الصراع مع القوى الاستعمارية، وكانت منشورات الرواد في بياناتهم وجرائدهم وطرق معالجتهم للقضايا الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية، تتبنى التحليل العلمي في رصد التناقضات المجتمعية بين القوى المهيمنة وتلك المنخرطة في معركة التحرير، والتي تحالفت فيها الطبقة العاملة مع الحركة الوطنية وعاشت مواجهات عنيفة واعتقالات كان من بين ضحاياها رواد الحركة العمالية وعلى رأسهم الراحل المحجوب بن الصديق. دفاعا على حرية التنظيم النقابي وحق العمال في التأطير..
وفي هذه المرحلة شكل الإعلام من خلال النخب المثقفة للطبقة العاملة توظيف نفس التحليل واللغة والمقاربة التي جاء بها البيان الشيوعي الذي حرره كل من كارل ماركس وانجلز.
مستخدمين منهجيا في تحليل الظواهر، مساراتها التاريخية وما تحبل به من تناقضات ولا زالت الوثائق بالاتحاد المغربي للشغل تدل على هذا العمق الفكري والذي حافظ في صياغة النصوص على السهل الممتنع على مستوى اللغة من حيث أنها تعني الرفع من قدرات الوعي لدى العمال والمساهمة في انتزاعهم لحقوق الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والحق في العمل والترفيه والعلاج.
إذن نحن في النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام أمناء على هذا التراث النضالي في مناهجه وقضاياه، في التعاطي مع فهم التحولات الاجتماعية الجارية وما ينبغي أن يكون عليه التقدم والاقتصادي والرفاه الاجتماعي دون إقصاء للقوى المنتجة.
لكن الرأس مال الوطني ، حين يستحضر اليوم المشهد الإعلامي وما يعانيه من صعوبات وما يقتضيه من إصلاحات، يلجأ في النقاشات العمومية إلى تمكين الناشرين من الغلبة العددية لتمرير إصلاحات على المقاس والتي لم تنتج لنا تأثيرات في الواقع على مدى عقود.
اليوم الكل يعترف بهشاشة القطاع، وهو معطى يخفي في طياته النقلات النوعية، التي تحققت في هذا الحقل مع الصحافة الرقمية، والتي لم تنل بعد ما تستحق من اعتراف بأدوارها وحيويتها وفاعليتها في التأثير وصناعة الرأي، وإن كان هذا الأداء لم يقو إلى حدود اليوم إلى الارتقاء لمرحلة المأسسة، التي يجب أن يرافقها نقاش عمومي واسع بين الفاعلين المباشرين في المهنة والمعنيين بها من سلطات عمومية وفاعليين مهنيين.
للوقوف على ما ينبغي مراجعته والـتأسيس له، لتيسير السياقات المرافقة على التطور الايجابي والتصاعدي للمشهد الإعلامي…وهي أمور تتعلق بالنصوص والتشريعات على أساس أن تعزز أكثر مسارات حرية التعبير التي تجد تجلياتها المثلى في الإعلام بالذات والتعبير عن مواقف القوى المتصارعة داخل المجتمع.
لقد جاء على لسان السيد فوزي لقجع الوزير المنتدب لوزارة الاقتصاد والمالية المكلفة بالميزانية، أن خيار مد المقاولات الإعلامية بالسيروم لم يعد أمرا مفيدا كما وفرته خلاصات التجارب التي مر منها الإعلام منذ أواسط الألفية الثالثة، وعليه وجب التعاطي مع المقاولات الإعلامية من منطلقات توفرها على business planc وإعلانها عن استراتيجياتها واقتراح دعمها ومواكبتها إلى أن تتحقق لها استقلاليتها كمشروع.
في الواقع لا نشاطر هذا الموقف الذي ينظر إلى المقاولات الإعلامية كمؤسسات تتبنى المشاريع المنتجة للأرباح، بل تبحث عن تمويلاتها من خلال الدعاية والاشهار أو الإعلانات المؤدى عنها..
ما طبخ إلى حدود الآن ولم يعد سرا، هو قرار وزيرة الاقتصاد والمالية التي جعلت الإعلانات وبقوة القانون حكرا على جرائد ومواقع لا تتعدى رقم 23.
السيد فوزي لقجع يتبنى نفس الرؤية، باعتبار أن أفكاره التي يطرحها سيسهر على تصريفها في مشاريع الميزانيات القادمة للسنوات المقبلة.
ونعود للتأكيد على أن المقاولات الإعلامية، لا تسعى إلى الربح المادي ولا يمكن لها أن تحققه، بل أن وظائفها الأساسية تسعى إلى تقديم خدمات للمجتمع، من بينها تأطير المواطنين والدفاع عن ثوابت الأمة وقيمها الثقافية، ومناقشة القضايا الكبرى للوطن والاهتمام باليومي للمواطن والسعي للنهوض بوعيه وفق التحولات الجارية وتمكينه من المعلومات والعمل على معالجتها بتوظيف العلوم لخدمة الراهن وتطلعاته المستقبلة، وهي أمور لا تذر الربح المادي يعني المالي.
وبالعودة إلى النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام، نعتقد أننا نساهم في صيانة وحضور الثقافة العمالية، والمشاركة في الدفاع عن الاختيارات الديمقراطية التي لا تعمل على تغليب طموحات الرأسمال واستثماراته على حساب الاستثمار في البشر وقدراته الخلاقة، وعلى صيانة العيش المشترك وتجويد أسس الحياة لكافة الموطنين على قدم المساواة.
إننا نعيش ضمن مجتمع يجتاز ظروفا دقيقة في البناء الحداثي، وعملياته محطة نقاش ومنذ سنوات، لتوسيع عوامل المشاركة وعلى الحكومات أن تظل على نفس المسافة من التباعد بين مختلف الفرقاء وأن لا تغلب مصلحة على أخرى كما يحدث في المجال الإعلامي حيث الدعم يقتصر على جهات ولا يعمم ليشمل مختلف المنابر والمواقع.
إنه رهان وتاريخي و عظيم ، وعلينا أن نخوض فيه دون تلكأ، وأن لا تظل مقاربتنا يهيمن عليها هذا التوجه المركزي التي تسعى البلاد لتجاوزه في إطار مشروع الجهوية الموسعة. وأن نستحضر آفاقا جديدة لمعنى الدعم للمقاولات الإعلامية بتبني تصورات جديدة تنهض على:
1) مقترح إحداث صناديق الدعم الجهوية تعهد الى المديريات الجهوية للاتصال
وتوفير الدعم الجهوي، من ميزانيات الجماعات الترابية والمجالس الإقليمية ومجالس العمالات والجهات والغرف المهنية . وذلك بتشريع الدعم الجهوي وفرض تخصيص الدعم السنوي الجهوي على تلك المجالس .
وأن تشكل لجن مختلطة داخل مديريات الاتصال لوضع المعايير والشروط لدعم المنابر المحلية.
2) فرض مصاحبة لانابيك للمقاولات الإعلامية الصغيرة والمحدثة ومصاحبة المنابر الإعلامية لتحويلها الى مقاولات. ويجب أن تكون المصاحبة بالدعم المالي والتدبير المالي والاداري.
3) تحسيس المقاولات الإعلامية بضرورة الانخراط في الغرف المهنية صنف الخدمات.. والتصويت والترشح..
4) مقترح إعادة النظر في الشروط والمعابير اللازمة للدعم.
5) تمكين المنابر الرقمية من نشر الاعلانات العمومية والخاصة شأنها شأن المنابر الورقية وكذا في الاشهار العمومي
6) تفعيل قانون الحصول المعلومة وتمكين الصحافيين والمصورين من كل حقوقهم في العمل الميداني بدون تضييق أو تعنيف، كما يحدث في بعض التجاوزات.
إننا إزاء قطاع استراتيجي، والنهوض به لا يقبل التسرع أو فرض القرارات، إنما ينبغي تهيء الشروط والظروف لنقاشات وطنية وجهوية، لتركيب خلاصات للخروج من هذه الهشاشة التي لا تبقي في أحاديثها سوى دار لقمان على حالها.
النقاش من ضروراته الخوض فيما نريد لمستقبل مقاولاتنا الإعلامية، من أدوار عليها القيام بها لتأمين المجتمع وصيانته من المواقف المتطرفة والانغلاق الفكري، ومساعدة الناس على العيش المتوازن في هذا الزمن التكنولوجي المبني على المعارف وامتلاكها وفي ذات الوقت الحفاظ على الهوية الوطنية وتراثها.