سطات بين البارح واليوم
فؤاد الجعيدي
حين داهم الفرنسيون هذا المنبسط، من سهول الشاوية، جعلوا من سطات تحفة للحياة ومدينة من المدن الصاعدة..
تحيط بها من جنباتها، حقول ومزارع وضيعات تنتج الثمار. وفي وسط المدينة، شيدوا بنايات، دون المساس بذاكرة المدينة، حيث ظلت القلعة الاسماعيلية، لها حضورها الرمزي وتؤرخ لزخم مضى وولى، والملاح لم تعبث به الأيادي، كما حدث الآن من اعتداء على تراث لا مادي كان شاهدا على تعايش أهل هذا المنبسط من يهود ونصارى ومسلمين.
في وسط المدينة، أقيمت المحطة الطرقية، والحانة ومكتب البريد والمحافظة العقارية والبنك المركزي والسوق البلدي. ولم يفت المعمار الفرنسي وبعقلانيته، أن يهيئ مخططا مستقبليا للتطورات العمرانية، في حين جعل مخزن القمح على مشارف المدينة من جهتها الجنوبية، وظلت الرقابة حية على سرير وادي بوموسي.
كانت المدينة تحفة بأحيائها، وبها مدرسة، ودبرها الرجال الوطنيون للترويج لقيم حب الوطن.
في هذه المدينة بالذات، تلاقت العائلات الفاسية والسوسية، وبدأت نشاطها التجاري والعلمي وتحافظ على الأصالة المغربية.. الفاسيون، ينشرون بين الناس حلاوة اللباس المغربي التقليدي، القفطان والجلابية والبلغة..
لكن اليوم ما الذي حدث لسطات؟ من هشم ذاكرة المدينة وداس على تراثها الإنساني والحضاري، ومن كرمها بأحزمة البؤس في دلاس وميمونة؟
إنها السياسات الظالمة والمنفلتة من عقالها، والتي لم تنتج سوى البؤس الاجتماعي واختلال التوازنات بقوة صارخة بهذا المجال.
وتنافست كل القوى السياسية، أن تجعل من واجهة الشارع العمومي الذي يخترقها ويشطرها نصفين، مجالا لتسويق الأوهام عن مدينة لا تشبه باقي المدن الحديثة.
حين أمر اليوم من شرايين المدينة، وأجد أكشاكا متراصة، كما يحدث في المآتم يأخذني الحزن، على هذا التفكير الذي أبدع كل هذه الفظاعات وشوه الطرقات.
ويأخذني حزن أكثر، على مظاهر التسوق عن الدوار، حيث يصطف باعة السمك في أيام الصيف والروائح المقرفة، تضايق المارة مثلما يضايق الباعة المتجولون السيارات، ولا أصدق أن للمدينة مجلس رسم لها هذا التدبير الموغل في التخلف وانشغل بالنافورات، والأضواء في حين كان من بين الاحتياجات الأساسية والملحة، أسواق بلدية، لبيع السمك بمواصفات تراعي الشروط الصحية وتراعي في الإنسان كرامته وأسواق بلدية أخرى لبيع الخضر والفواكه..
في زمن الهيمنة الفرنسي، كان للمدينة سوق بلدي، نقي تدخله النساء الشقراوات، يتبضعن من محيطه حيث الحوانيت متراصة، والباعة يبدعون في تقديم منتوجاتهم للزبناء، أما اليوم لا تجد سوى أكشاكا من القصدير تنبث كما الأعشاب الطفيلية في البراري، وأسواق للقرب، لا يلجها الناس وتعرف كسادا في تجارتها.
حين نريد التفكير في هذه التصاميم العرجاء والعوجاء، التي أنتجها المنتخبون، نشعر بالاحتقار، احتقار ذواتنا كبشر يعيش في هذه الألفية الثالثة، بنظم قادمة من بداوة لم يعد لها أي وجود، لكنها كلفتنا الشيء الكثير من ميزانيات من المال العام تم هدرها دون استحضار، لمفهوم الخطط والبرامج والمشاريع التي تبنى لأهداف دقيقة وليس أفكارا تم إيجادها بعقول شبه نائمة.