ميساء قارئة الفناجين السياسية
فؤاد الجعيدي
لما تخلى اليسار المغربي عن أدواره في التكوين والتأطير السياسي والأيديولوجي، ولما تخلت ساحة الجامعة المغربية عن إنتاج النخب، بتأطير من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ظهر المنجمون والمنجمات وقراء الفناجين، كما يحدث في حالة سيدة تدعى ميساء التي تتربع على عرش الكلام عبر إطلالاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، متمثلة بأنها نالت الخلافة على الشباب للحديث باسمهم، والتعبير عن خواطرهم فيما ينبغي أن يكون عليه هذا المغرب، الذي يعيش تحديات كبرى وفي ذات الوقت يعيش فراغا سياسيا لم نشهد له مثيلا مع الألفية الثالثة التي يطول تحليل عوامل ردتها.
العرافة ميساء وككل العرافات لا تتورع في توجيه الرسائل لعاهل البلاد، وفي خرجات أخرى غدت تفصل مستقبل البلاد على هواها، وتتنبأ بتنحية السيد رئيس الحكومة وترى في مولاي حفيظ العلمي المنقذ على منوال الأساطير القديمة..
العرافة لا تتحفظ وتؤكد (نعم يجب أن يعلم القصر أن غالبية عظيمة من المغاربة اليوم يقولون بصوت واحد بكل صراحة وبساطة #اخنوش_ارحل واترك المكان لمن هو أقدر عليه منك. فإن الوضع لا يتحمل المزيد من تراخيك وسوء تدبيرك)
هذا خطاب النجاة والسلامة، ناعم الملمس، لكنه ككل خطابات الضلال لا ينطلق من أسس التعاطي العلمي في تحليل الواقع الملموس بالفكر الملموس، بل يعد منظومة من التوجيه تتكلف العرافة بتصريفها وتتموقع في المشهد الاجتماعي فوق الأحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية، والترنيمات التي تقوم بها تمنعها من تأمل أننا نعيش وكما العديد من الدول في ظل حكم الأقليات أو بتعبير أدق في ظل حكم الأثرياء عبر امتدادات الشركات العالمية أو كما يقول الفيلسوف آلان دونو أن هذه السيطرة وامتداداتها أفضت إلى إفراغ سلطات الحكومات والبرلمانات المنتخبة من محتواها، إذ أصبحت مجرد غطاء وواجهة لأصحاب رؤوس الأموال التافهين الذين يتسيدون عالمنا.
لكن العرافة ومن أوحى إليها تخوض حروبا فقط بالكلام والتوصيف، ورش الظواهر الاجتماعية المعقدة بمزيد من البخور الإنشائي.
آسف على كل الأصوات التي لا تعرف قدرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وآسف أكثر على أننا تركنا الساحة بإصرار لتغييب الفكر العقلاني والموضوعي للتعاطي مع ظواهر مجتمع في أشد مراحله انتقالا، وعرف دون لف ولا دوران تآمرا من العقليات البرجوازية الصغيرة التي تميزت في التاريخ المعاصر وعلى امتداد خارطة الوطن العربي بهذا التذبذب اللعين بين اليسار واليمين وتحالفت مع الرجعية العربية وأنتجت وصولا إلى السلطة بالانحياز لبعض حركات العسكر، وقد سجل عليها التاريخ ببلادنا مثل هذا الطموح الذي لم يكتب له الوصول إلى سدة الحكم.
إن من يراهن وخارج الخيارات الديمقراطية، وخارج الشروط الموضوعية لوعي الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة بأدوارها في تأمين الانتقال الديمقراطي للمجتمع إلى درجات أكبر من النضج والمشاركة، لن يكون سوى عرافا مثل أولئك الذي مروا من سدة تدبير الشأن العمومي، ونثروا علينا من سماء إيمانهم الكاذب، أضغاث أحلام دبوا بها على الأخضر واليابس.
ن