الثقافة العمالية لا تقبل شطحات البرجوازية الصغرى

الثقافة العمالية لا تقبل شطحات البرجوازية الصغرى
شارك

فؤاد الجعيدي

علمتني الحياة في أكثر من محطة، أن البرجوازي الصغير، حين ينتمي لنقابة العمال، يأتيها وفي باله أغنية.. أن يغني على ليلاه، بما ورثه من الثقافات التي تغذي طموحه الشخصي في خلق العلاقات وبعدها البحث عن التسلق الاجتماعي.

في إحدى المرات جالست شابا مفعما بالحيوية، أتى لتوه من فرنسا، وقد تشبع حتى النخاع، بما درسه عن المقاولات من علوم ونظريات في إدارة الموارد البشرية، وصار يحدثنا في اللقاء العمالي، عما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين أرباب العمل والعمال في المنظور الحديث، الذي يغلف الاستغلال والتناحر الطبقي، بكل الثراء المعرفي الذي أنتجته كبريات المؤسسات المالية العابر للقارات والمنظمات الدولية التي تصرف لشعوب العالم قناعات على الوجه الإنساني للرأسمال.

كان علي أن أوقظ هذا الفتى من غيبوبة الإفرنجية، لأذكره بأن الثقافة العمالية تظل في الطرف النقيض لهذه الفتاوي، وتسعى على الدوام لتحرير الإنسان من كل التسلط الأعمى للاحتكارات التي تظل الماء والهواء للرأسمال.

وكان علي أكثر، أن أذكره فقط بأوضاع شعوب العالم ومآسيهم وبالمجاعات وخلفياتها وبضياع الأطفال وشدة الحروب في العديد من بؤر التوتر عبر العالم.

في زمن آخر صادفت شبابا جديدا بكل ما تحمل كلمة الجدة من معاني، يعني أنه لا زال في غشائه وغشاوته، ولم يعش أزمنة قاسية من الصراع..

ولم أر في حياتي شخصا مثله يتحدث عن ذاته بنرجسية لا مثيل لها له، ويدعي من القدرات ما لا يعد ولا يحصى ويفهم التشاركية على هواه ومعها الديمقراطية.

صاحبي يختلط له الفن بالرياضة، ويعشق في الكتابة تمثل اللهجة المصرية لكن أجمل ما فيه، السنطيحة على عادة كل برجوازي صغير تعميه التطلعات.. لكن المصيبة أنه لم يعمل بالقول المأثور ( إذا ابتليتم فاستتروا) بل تعددت طلعاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولم يدرك أن الناس يقرؤون الرسائل، ويعملون على فك شفراتها كما علمتهم ذلك علوم اللسانيات ودراسة الأساليب.

أن الرجل ربما يجيد ثقافات في الفرجة، لكن تمثله للثقافة العمالية يكاد ليكون منعدما وكما يقول عادل إمام ( الرجل ما بجمعش ).

طيب ما الذي نتعلمه من الثقافة العمالية، إنها في مراحل النشأة ارتبطت بالإرث الثوري فكرا وفلسفة وممارسة، وتزاوجت معه، للوقوف ضد الظلم والجور الاجتماعي، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وهو الاستغلال الذي ترسخ مع ظهور الملكية وتفرقة الناس على أساس علاقتهم بوسائل الإنتاج بين مالكيها ومالكي قوة عملهم فقط.

لكن اتضح فيما بعد أن البرجوازيين الصغار أكثر ميلا للسلوكات الانتهازية وأكثر تذبذبا في المواقف كلما تعارضت مع مصالحهم الشخصية. ولا يجيدون الدفاع على المأجورين بقدر ما يؤسسوا لعلاقات التسلق الاجتماعي.

غير أن التنظيمات النقابية، لا تحتمل إلى ما لانهاية توجهات الهدنة، لا سيما في ظل شروط تفتقد فيها، بمعنى أن قوة استخدام الفرامل في وسط الحركات الاجتماعية، عادة يصبح قضية مركزية تفرض المساءلة. بالأخص حين يتم تعطيل آليات العمل النقابي، من مثل البيانات والعرائض والوقفات الاحتجاجية والاتصالات بالأطراف المعنية.

ولنعد للسؤال، لماذا تولد الحاجة لدى قطاع أو مهنة ما أو مؤسسة، لخلق النقابة؟ الظروف الموضوعية والذاتية هي التي ولدت الحاجة لكذا تنظيم، ومن خلاله يعمل على تهيء الملف المطلبي، وتحديد الأهداف المرحلية وخوض النضالات المطلوبة للدفاع عن المصالح الحيوية والمشروعة للمنتسبين لها.

لكن ما معنى أن نقر جميعا، بأن القطاع الذي ننتمي إليه يعيش هشاشة ويعرف صعابا وأن أوضاع العاملين به مزرية ومأساوية، وأن لا نتحرك وأن لا نقوم بما يجب القيام به من تعبئة واتصالات واحتجاجات..؟

وما معنى، حين تأتينا الفرصة في ندوة أن لا نقول ما يجب قوله وننساق بالكلام إلى الجزء الذي لن يفسر الكل؟

أعتقد أن الخلل موجود وعلينا التعاطي معه بالجرأة المطلوبة، كي لا نسيئ لتراث الطبقة العاملة وتضحياتها الجسام ولنبذ الانتهازيات الصغيرة.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *