النفوس الأمارة بالسوء في حزب التقدم والاشتراكية
فؤاد الجعيدي
ما كان لحزب التقدم والاشتراكية أن يكون في هذه الوضعية من التفكك والتصدع، وأن الأسباب الجوهرية لهذا الوضع، لها ارتباطات وثيقة بالأوضاع التنظيمية، في العديد من الفروع والجهات، وقد لا يمر يوم إلا ونجد الأصوات تتعالى، للتعبير عن رفض الهيمنة والتحكم الذي يمارس على التنظيم من كل ربوع المملكة مركزيا.
بالدار البيضاء، جمد رفاق أنشطتهم ولا أحد، يشك في تاريخهم النضالي ونزاهتهم الأخلاقية، ونفس الأمر وقع في آسفي وفاس وسلا وسطات، وإن كانت مراكش قد تحكمت فيها الحسابات الوقتية من هذا الطرف أو ذاك.
وأن آثار هذه التصدعات وصلت لشبيبة الحزب، التي عاشت تجاذبات بين أطراف متصارعة على المواقع، واتخذت من الشبيبة آلية للنصرة وهي ممارسات ألحقت الضرر بالوحدة التنظيمية، التي تظل هي الأساس الذي يقوي لحمة التنظيمات للانخراط في مهامها المنتظرة وتفعيل أساس وجودها.
وما يجري اليوم في الحزب من نزيف بشري، ينذر بمخاطر قوية على أساس وجود الحزب كفصيل يساري، وكمعبر اجتماعي عن مصالح وطموحات القوى العمالية والجماهير الشعبية.
لقد اختارت القيادة الوطنية، التحكم في مفاصل الحزب، محليا وجهويا ووطنيا، وهو خيار يتعارض مع القناعات التي وصل إليها حزب التقدم والاشتراكية، يوم قرر إحداث القطيعة مع المركزية الديمقراطية، بعد الانهيارات المتوالية للمعسكر الشرقي.
ومن جانب آخر، أن هذا النهج يتعارض مع روح ومضامين الجهوية الموسعة والمتقدمة، التي انتهجتها الدولة المغربية كخيار سياسي جديد، لتجاوز تعثرات المسلسل التنموي، الذي أنتج اختلالات وتناقضات قوية وصارخة داخل الوطن الواحد.
وعلى مدى ستة عقود، تبلورت قناعات الانفتاح، على الطاقات المحلية لأن تلعب في محيطها دور القاطرة، للنهوض بالإنسان واستثمار تراثه اللامادي وتنوعه الفكري والاثني، وغنى تجاربه ضمن وحدة وطنية قوية، في هذا المغرب المتعدد.
إن هذا المعطى بات يؤكد، أن من يراهن على جذب الثور من قرنيه، يفتقد للحس السياسي، وللتجربة الميدانية، وحسن قراءة الواقع، بما يعمل على التأثير في التوجه الديمقراطي، ومزيد من تعزيز مساهمة الرفاق في صناعة القرارات، والاختيارات التي يتبناه الحزب، وتعمل على تجذرهم في محيطهم ومجتمعهم المحلي.
إنها الضربة القاضية للتنظيم واغتياله في ظروف دقيقة، لا تقبل تغليب الذاتي على الموضوعي، وهو نهج لا يقوم به سوى أحمق فقد قدراته العقلية أو من يريد ضرب آخر مسمار في نعش الحزب.
منح التزكية للمرشحين، هي مسألة تنظيمية، وتخضع في الأعراف والتقاليد الديمقراطية، للتشاور الواسع من طرف الرفاق في الفروع وتكون الأحقية لمناضلي الحزب أو من يختارهم المناضلون الذين يعرفون المرشحين حق المعرفة، ويميزون بقربهم منهم الصالح من الطالح والمناضل من المرتزق، وليس من حق الأمين العام أو المكتب السياسي حشر الأنف في أمور التزكيات كما يقع اليوم. وهي مسألة بات من الضروري وضعها على طاولة النقاش في المكتب السياسي للجم هذه النفوس الأمارة بالسوء.