مول الحزب و(الشاوية وما دارت بيا)
فؤاد الجعيدي
في الواقع لست من هواة النقاش البيزنطي والسفسطائية، في مجال بسط أفكاري وقناعاتي التي أدافع عنها بصلابة ودون هوادة.
مول الحزب هذه الأيام، وبإيعاز من بعض الأطراف، داخل حزب التقدم والاشتراكية، غدا يتصل بالرفاق القدامى، والذين لي بهم روابط إنسانية منذ عقود، على الصعيد الوطني، ويروج أكاذيب وسخافات في حقي كما فعل في مراحل متعددة، منذ أن اخترت الابتعاد عن صراعات ذاتية لا معنى لها، والتي سبق لي أن كشفت وبكل مسؤولية عنها، وأني أتوفر على وثائق هي اليوم جزء من تجربة تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها.
لكن ما أرفضه هو هذا التشويش المبتذل، وهذه الأباطيل( أني كنت في الطلائع وسرقت وأني كنت بعالم الشغل وسرقت).
لنكن واضحين، لم يسبق لي إطلاقا أن مررت من تنظيم الطلائع، وعالم الشغل وبشهادة رفاق المرحلة، لم تكن تتوفر على سنتيم واحد ورفض لها طلب الدعم، الذي توجه به الرفيق الراحل عبد المجيد الذويب لوزير الاتصال والذي لم يكن ساعتها سوى الأستاذ نبيل بن عبد الله وأني نشرت ما يفيد في على هذا المستوى وكانت مساهماتي أولا في العمل التطوعي كرئيس لهيئة التحرير وأقوم بالبيع النضالي لنقوى على استمرارية طبع الجريدة.
مول الحزب بسطات، صاحب الأسمال الرثة، والذي ضبط مرات عديدة بصفته كشناق، مع الرفاق ومع أطراف من المجتمع المحلي في صفقات سياسية.
لكن لما أطلقت عليه صفة مول الحزب؟ لأن كل القرارات الفردية التي اتخذها في حق الرفاق وهمت طردهم بالعشرات، لم يخضع فيها ولو قرار واحد بالشرعية القانونية، بل كان الطرد مزاجيا لمن لم يسايره في هواه وفي مواقفه الغريبة عن تراث الحزب.
لكن في المقابل أن هذا الرهط( مول الحزب ) ارتقى إلى المكتب السياسي بنضالات غيره من الشباب وبالبلطجة، في العديد من دورات اللجنة المركزية، وغدا صورة لذك الثور الهائج على كل مستويات الحزب.
القانون الأساسي للحزب، يوفر لجنة سياسية لها من الصلاحيات للنظر في العقوبات التأديبية ضد الرفاق، الذين قد يكونوا ارتكبوا أخطأ في مسارهم التنظيمي، وهذه اللجنة لها من صلاحيات الانصات لمرافعة الرفاق المعنيين بالقرار، ثم تتداول في نهاية المطاف في المتعين الواجب اتخاذه، وليس لها أي طابع تقريري، وإنما تطرح خلاصاتها كمقترح على اللجنة المركزية والتي لها وحدها الصلاحيات السياسية والتنظيمية، في التوقيف أو الفصل من الحزب.
مول الحزب قفز بجهله على هذا الجانب التنظيمي والحقوقي كمل يفعل رعاة الغنم القادمين من البراري، وظن أنه أصبح مناضلا شيوعيا والشيوعية منه براء، لأنه في الواقع نتاج لعلاقات اجتماعية اقطاعية وتربى في ضيعة معمر فرنسي، لما استولى الفرنسيون على الأراضي ببني مسكين، ونشأت المقاومة المحلية التي قادها رحال المسكيني وظلت زوجته تحكي روايات عن الذي خانوا من الجيران إخوانهم.
مول الحزب ظل يتباهى في مراحل متعددة، بأنه طرد وتخلص من خيرة الشباب، منهم من كسرت أسنانهم في مخافر الشرطة لما أججهم في الخروج في تظاهرات من الحرم الجامعي بسطات إلى المدينة، وكان يركب حماس الطلبة اليافعين والتلاميذ، ويدفع بهم للمواجهات وفي المنعطف يدخل على باب المساومات.
مول الحزب استثمر بؤس الباعة المتجولين، وخلق منهم قاعدة للمساومات وحصل على مكاسب، لم تكن في نهاية المطاف سوى أضغاث أحلام، كم أفسد من العلاقات التي ربطناها في أوج إشعاع الحزب مع الأطباء والأساتذة من جامعة سطات ومن المركز الفلاحي ، واكتفى أن يكون حاضنة (للحتالة) بالمعنى الماركسي للمصطلح وليس في المصطلح أي معنى قدحي لأن له تعريف اجتماعي واقتصادي وسياسي.
وكم أحاط به من الشباب اليافع، وعمل على التلاعب بعواطفهم وتأجيجهم، لكن لما اشتد عودهم، صنع منهم خصوما وتوهم ذلك، ودفعهم إلى التصدي له بلائحة شبابية، في إحدى الانتخابات الجماعية وبالتالي دق المسمار المطلوب في نعش حزب، ولم يكن من طبيعته السياسية والايديولوجية سوى أن يتشكل خاتما في أصابع من حولوه عبدا ومأمورا طيعا وخنوعا من الإدارة الترابية أو الحزب.
اليوم التراكمات وفرت المعطيات المادية الملموسة، ولم أقدم على قراءتها، إلا حينما نصب مول الحزب نفسه لمنح شهادة ضدي، أدلى بها بعضهم في صراع نقابي محض، لم يكن لمول الحزب أن يحشر فيه أنفه أبدا مهما كانت الخلافات وحدتها، علما أني لم أكن أشكل له منافسا في طموحاته المريضة وأني ابتلعت لساني لما يكفي من الوقت.
أنسي مول الحزب يوم أن تصديت له بأن لا يدفع عمال سطافكس أن يعلنوا عن تنظيم نقابي هش، ويودعوا مكتبهم الذي أسس بمقر الحزب لدى السلطات العمومية، فظهر راعي البقر وحرضهم على مواجهتي وفي اليوم الموالي تم طردهم الجماعي وباتوا يشكلون مأساة جديدة من مآسي الحزب والتي لا تنسجم مع هويته العمالية وساعتها كم كان الألم قاسيا علي وحدتث الراحل الذويب الذي كان الأمين العام للجان العمالية المغربية، فصرح لي إن أردت تحطيم أي بناء فلا يكفي سوى أن يعهد به للعروبي كما كان يحلو له تسميته. ولما رحل الذويب إلى متواه الأخيرة وقعت مواجهة بينه وبين الرفاق الذين ظلوا أمناء على النقابة ولم يخل لهم الساحة إلا بقرار قضائي انتهى بفصله.
إن مول الحزب راكم خبرات ومؤهلات أعترف له بها، في طحن الحزب وهدمه ودكه، وما كنت أخاف من حدوثه، حدث وصار واقعا ملموسا والجميع لا يجد سوى عبارات الأسى والأسف، عن طمر هذه الشعلة في ربوع الشاوية، والتي استدعت سنوات من العمل الميداني، لم يكن مول الحزب يساهم فيها بشكل مباشر، لكنه كان ينتظر قطف ثمارها. وصار لا يتسع له الصدر ليقدم المناضلين في الصفوف الأمامية في اللائحة الانتخابية بل ضمن لنفسه الصدارة ولحوارييه، ولم يكن يتمتع بالرؤية والنضج الكافي، لقراءة التوقعات والمخاطر على راهن الحزب ومستقبله، ولم يكن قادرا على تقديم التنازلات للشباب المؤهل في خوض غمار الانتخابات، والتي يستحقون المواقع الأمامية في لائحتها، لتراكماتهم النضالية وارتباطاتهم الجماهيرية في الأحياء والمدارس والجامعات، وأتاهم بنفر جديد من يمين اليمين. وبالتالي توفق في دك تراث الحزب،. ولم يعد يجد وجها للظهور به وسط مدينة سطات، في حين ظل الرفاق وفي مواقع أخرى يحظون بالتقدير والاحترام، في حين ظل هو في صراعات ونزاعات حول تعاونية سكنية ويجر بين الفينة والأخرى إلى محاضر الاستماع لدى الشرطة وصاحب التعاونية له حكايات مؤلمة مع مول الحزب وصلت إلى استخدام أشرطة فيديو عبر اليوتوب والفايس بوك وفيها ما لا تقوى الألسنة على ذكره.
كان على قيادة الحزب منذ سنة 2002 أن ترسل لجنة، وبالفعل تبلورت الفكرة وحظيت بالقناعة لكن أحبطها مول الحزب بالبلطجة.
وكانت قبل هذا، أن تقدم الراحل الغوزي عضو المكتب السياسي باقتراح لإسماعيل العلوي وبقر الحزب بالرباط، بالاتصال بالسلطات الإقليمية بسطات وإخبارها بأن مول الحزب لا صلة له بهذا بحزب التقدم والاشتراكية وليس ناطقا باسمه.
اعترضت على الاقتراح، لسبب بسيط أننا سنجعل منه زعيما وفي زعامة لا يستحقها وتركت للزمن، أن يعري ما يجب تعريته، وهذا ما كان.
لي اليوم قناعة واحدة، أن أي صراع مفترض هو صراع حول الأفكار والمواقف، وليس تطاحنات مع أشخاص بؤساء، لا يملكون سوى رصيدا من التآمر الأعمى، والذي كان مكلفا للحياة الحزبية والتنظيم، وفي كل المحطات ظل لدي سؤال واحد ومعلق، لما لم يقو حزب التقدم والاشتراكية على مواجهة هذا الاتجاه الهدام، لكن الأيام أوجدت لي الجواب الملائم وهو الرهان على استخدامه كعجلة احتياطية، يتم استخدامها دون شرط ولا قيد في معارك النذالة.
مول الحزب عين بالمكتب السياسي، ومنح مهمة متابعة ملف التشغيل وهو الذي لا يمتلك القدرات العلمية والمعرفية، على كذا موضوع معقد وشائك، في تتبع النسيج الاقتصادي وأوراش العمل والأحواض الناشئة للفرص، ولو كان له هذا الحس، لساهم وناضل من أجل عودة الحياة للمنطقة الصناعية بسطات وهو الذي كان كاتب المجلس.
كانت المهمة أكبر منه، هو الذي اختار وعلى فترات الشباب ليجاهد فيهم بكلام السوء، كي لا تضيع منه المنافع التي لا تتعدى أرنبة أنفه.
لما اخترت وعن مضد وقناعة أيضا، أن أتصدى لهذا الرهط، كنت دوما أنهي كتاباتي إن كانت له حبة خرذل علي وعلى مسيرتي النضالية، فلا يترد في نشرها وكنت في كل مرحلة أؤكد، أني أتوفر على المعطيات المادية والحجج والبراهين، على ما كنت شاهدا عليه في تطور حياة الحزب هنا بربوع الشاوية، وما كان لي أن أتكلم لولا الشهادة التي كتبها ووقعها بالكذب والزور..
والاتصالات التي كان يجريها بين الرفاق، ويروج فيها الكذب بأنذل وأبشع الصور، حتى حشر سمومه في وظيفتي يوم كانت لي متاعب بسب نضالي النقابي، لكن خابت ظنونه كما خابت رهاناته، لأنها وبكل بساطة بنيت على الباطل وما بني على الباطل فهو باطل.
اليوم لا أقدم نفس ملاكا، ولكن رجل له قناعات مبدئية ومن خلفيات سياسية وأيديولوجية واضحة، وأساهم في حقل أفكار الثقافة العمالية وبادرت إلى جانب مجموعة من الرفاق والأصدقاء إلى خلق مجموعة فكرية، للتداول في واقع اليسار المغربي، ضمت رفاقا من حزب التقدم والاشتراكية لكن أيضا من فصائل اليسار قاسمهم المشترك ما يجمعنا من تقاطعات على هموم هذا الوطن، كمثقفين وكمعنيين بالنقاشات المجتمعية سواء تعلق الأمر بالتطبيع، والذي كانت لنا الجرأة والسبق في تناوله دون خطوط حمراء ودون نوايا الارتزاق السياسي، ناقشنا أيضا فزاعة استخدام مصطلح المخزن الذي شاع استعماله بين المتمخزنين لصد الشباب، عن النقاش الحر والمسؤول، وهو نقاش يهم بلد راكم في مسيرته المعاصرة تجارب من الانتصارات والانكسارات وكنا جزءا من هذا الأمل الكبير.
لم تقصر نقاشاتنا على الوقوف عند ويل للمصلين، بل دخلنا مرحلة من التحضير لبرامج ملموسة، نستحضر فيها تقديم الأجوبة الملموسة على ما يعانيه البسطاء في هذا الوطن من تحديات، واستقر الرأي على فكرة تطورت واكتملت ملامحها، هناك بديل للسكن الاقتصادي والذي لن يكلف الدولة ولو سنتيما واحدا، وستصبح معه الكلفة الكرائية في الشهر الواحد أربعة مائة وثلاثون درهما في الشهر، تؤدى كأقساط وبعدها سيجد العامل والعاملة متنفسا جديدا في أجره ليعش حياة كريمة.
ثم نحن الآن منشغلين على الاشتغال على بدائل، كيف نخرج من مفهوم مدرسة المخزن، إلى تصور مدني عصري يتحدث فيه الناس عن مدرستهم ومستشفاهم، ويساهمون فيه ويدخلون معه في علاقات تصالح تستدعيها الحياة المدنية.
في هذا النقاش كنا نستحضر تطورات الفكر الاشتراكي المعاصر، وما يعرفه من اجتهادات وصل صداها إلى المحافظين الأمريكيين، والذين باتوا يرون في نظرية كارل ماركس القدرة على تفكيك التناقض الحاصل اليوم بين وفرة الإنتاج من جهة، لكن هناك أيضا انحسار شديد في تصريفية لعدم قدرات الناس المالية على تلبية متطلباتهم.
وإن كان لقاء مع الرفيق أنس الدكالي فهو أتى وتزامن مع هذا السياق وهو سياق في منتهى متطلبات حزب التقدم والاشتراكية كحزب وطني يساري، يحتضن النقاشات الفكرية، ويحتضنها ليكون منها قاعدة ترافعيه ، وقوة اقتراحية لما ينبغي أن يكون عليه هذا الوطن الغالي والعزيز في نفوسنا من ازدهار اقتصادي ورخاء اجتماعي.
لكن من يراهن على المواقع، وعلى الأمانة العامة للحزب وعلى كرسي بمكتبه السياسي ولجنته المركزية، تلك مطالب للبؤساء ومن فقدوا مادتهم الرمادية من أدمغتهم.
ما ندافع عنه بقوة هو القيم الإنسانية و العقلانية ونبذ التطرف والتشبث بالخيارات الكبرى للديمقراطية والتأسيس لمجتمع العدالة الاجتماعية والكرامة البشرية والتصدي لاستعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
ونؤمن أشد الإيمان بأن من يريد مراكمة المال والثروة عليه الابتعاد عن السياسة وخوض غمار العمل بخلق المشاريع الانتاجية المربحة وفي حدود المعقول.
لكن من يأتي إلى مناصب سياسية، عليه انتظار المحاسبة والتي لن تأخذنا فيها لومة لائم، ومن أدار مسؤولية حكومية واغتنى سنسأله من أين لك؟
ومن حضي بنعمة ريع ما، لن يكون بوسعه إخراس ألسنتنا. فما نقوله عن غيرنا، سيكون لنا معيارا على ذواتنا من لم يقبل بالحساب والمحاسبة ليدخل جحره إلى الأبد، لأن الحياة ستستمر يا رفاقي.
من يقول أنه يملك اليوم حلولا لأزماتنا المفتعلة من جراء اختيارات لم تقوى على النهوض الحقيقي بنا وبنا جميعا، فهو كاذب ودجال، مشاكل المغرب وقضاياه الملحة وأولويات الشعب لن نتغلب عليها بمزيد من الفرقة والتشتت وصناعة مزيد من الأحزاب.
مغرب اليوم يحتاج إلى جبهة وطنية قوية، تجتمع فيها الإرادات السياسية الصادقة والنوايا الوطنية المكافحة، للتصدي الجماعي لمظاهر البؤس الاجتماعي والهشاشة والقطاع غير المهيكل الذي يقتات من دماء الناس،
البديل في قناعتي، نحتاج فيه اليوم إلى مقاومة هذه النزعات الانحرافية التي زاغت بالسياسة، عن نبل مقاصدها وفي التحضير لمشاريع مجتمعية وواقعية وفي مستوى نضج ظروفنا الوطنية، للتغلب عن الخصاص في البنيات المؤهلة للعديد من المجالات الجغرافية التي نتجاوز فيها العوامل الضاغطة بين مغرب نافع وآخر غير نافع.
وسندنا في هذه المعركة لن يكون سوى الديمقراطية ومزيد من مشاركة الناس، وليس رغبات الضعفاء الذين يودون التحكم في تنظيمات سياسية وإفراغها من مضامين طموح الناس، وبالأخص الشباب وفي المشاركات الواسعة وتحمل مسؤولياتهم لأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الفضاء الذي نسعى إلى تغييره.