الصحافة والأخلاق

الصحافة والأخلاق
شارك

فؤاد الجعيدي

هواة الصحافيين اليوم، كثيرا ما ينزلقون، فيما يعتقدون أنها حرية الرأي، يقولون ما يشاؤون في غيرهم، دون لجم لأقلامهم وبدون حرص على تعابيرهم اللغوية التي تنزاح عن ضوابط وقواعد اللغة.

هذا الرهط، يظن منه البعض أن مساحة الرقعة المتوافرة له، هي حلبة لجلد الآخرين.

طيب في زمن ولى، كانت القوى الوطنية الديمقراطية، تشكل الحاضنة للأقلام الناشئة، تعلمهم ما ينبغي أن تكون عليه الكتابة، من استحضار لمجموعة من القيم والأخلاق والثوابت، والأشكال المتفق عليها في صياغة المقالات الإخبارية، والاهتمام بتحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية..

وفي ذلك العهد كانت جريدة الرأي ترافق مقالات الشباب وإبداعاتهم الفنية ونفس النهج حافظت عليه المحرر والاتحاد الاشتراكي والبيان وبيان اليوم والميثاق الوطني.. حيث وضعت هذه الجرائد الوطنية مسؤولين، لتأطير الكتابات ومراجعتها والعمل على توجيهها وفق الخط التحريري لكل جريدة.

وبالفعل أدى هذا التعاطي، للمساهمة في ظهور جيل من الكتاب والرواد العالمين بتقنيات وتفاصيل الأجناس الصحافية، ومتمثلين لمقتضياتها الأخلاقية..

ما معنى الأخلاق هنا ؟ أن يظل الخبر مقدسا لا يجوز تحريف وقائعه ومجرى أحداثه، وتظل المساحة المتبقية هي ما نقدمه من تعاليق ووجهات نظر، لا تعمل على اغتيال الحقيقة..

كما يتم استحضار حقوق الغائبين وعدم التجني والافتراء عليهم، وفي حالة وقوع هفوات، يتم استدراك ذلك بتمكين المتضررين من حق التوضيح والرد.

يمكن القول أنه في ذلك الزمان، كانت الكتابة تستحضر رقابتها الذاتية، من منطلقات خلفياتها الايديولوجية، للتأثير في الأحداث وتقويم الاعوجاج دون التجني على الحقيقة ..

لم نعهد أن تكون الكتابة الصحافية تهديدا علنيا للآخرين، كما يحدث اليوم، حيث في العديد من المرات وقفت على أقلام، تعتقد بسذاجتها، أنها تتملك مفاتيح السجون والدفع باعتقالات الآخرين في مخافر الشرطة.. هذا البؤس الذي بتنا نعيش تفاصيله، وجد له موطئا يعمل على تغذيته في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي وسع من مساحات التعبير الطائشة، عبر الهواتف الذكية.. لكن المحتويات التي تنتج قلما نجدها تتعفف على الخوض في الأعراض بهذه الرداءة التي لا مثيل لها.

اليوم غدا من المسؤوليات التي على إعلامنا الوطني تحمل أوزارها، أن يساهم في فتح النقاش حول الأخلاق التي انعدمت، وأن ندين ما يستحق الإدانة لا سيما أننا في منعطف، يتوخى الارتقاء بإعلامنا الوطني وتقليم حدائقه من كل الطفيليات.

اليوم نحن معنيون ومن كل المواقع للنهوض بالقراء، وتجويد مضامين المواد الإعلامية، بعيدا عن التفاهات التي غدت تحتل مساحات كبرى، والتي للأسف الكبير تسربت إلى العديد من النماذج الكوميدية التي ينتجها الشباب الصاعد.

علينا التأكيد أن كل مجالات التعبير الإنساني هي في حاجة لتأطيرها بالأخلاق، التي تحترم كرامة الإنسان وكرامة المرأة وكرامة الطفل وحقوقهم الأساسية.

والتشبع بهذه القناعات، يشكل المدخل الرئيس للتوازنات المطلوبة والمفقود في العديد من الانتاجات.

وهذا الرهان علينا جميعا أن نكون فيه خصوما للرداءة وأن لا نترك لها مزيدا من الفرص لاستباحة ما تبقى فينا من نبل إنساني

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *