علاقتنا بالملكية والملك تراث وطني
فؤاد الجعيدي
لم نشهد مثيلا لكل هذا الحقد الذي يصرف اليوم ضد شخص عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، عبر أبواق أقل ما يقال عنها أنها، تنزع نحو البربرية، وتعمل دون كلل في تصريف دعايات مسمومة يلفها الكره الأعمى والمجاني ضد المغاربة، ومن تولى لديهم إمارة المؤمنين.
لقد سبق للأستاذ والفيلسوف الجزائري المعاصر محمد أركون، أن قدم شهادة رجل عالم بتاريخ الأمم وحضاراتها قائلا: إن الملكية بالمغرب هي من أعرق الملكيات عبر العالم.
وعلى مدى قرون من الزمن أفرزت هذه الملكية ببلاد المغرب الأقصى تراثا ثقافيا وروحيا من الروابط، ظل الحاضر فيها والشاهد عليها، بناء الثغور والقصبات والمساجد على طراز استلهم كل الحضارات التي استوطنت هذا المجال الجغرافي. واختلطت فيه الأعراق.
وظلت الملكية عندنا محطة إجماع للأمة وتعبير عن هذا الانصهار الذي لا نجد له على امتداد الوطن العربي شبيها.
الملكية في المغرب، ظلت على عهودها طرفا وشريكا في الفعل السياسي، إلى جانب القوى الحية البلاد.
قال لي أحد أصدقائي المختار الفاروقي الذي كان مندوبا لوزارة الثقافة في إحدى المرات التي استقبلت فيها مدينة سطات، أمام بهو عمالتها صاحب الجلالة محمد السادس، أن رؤيته في موكبه كانت تثير القشعريرة في الأجساد وهو نفس الشعور والعلاقة التي تأسست منذ عودة الراحل محمد الخامس من منفاه، حيث خرجت الجماهير في استقبال منقطع النظير، وكان حدث وفاته ملحمة أخرى، عبر فيها المغاربة بكل أطيافهم عن أواصر هذه الروابط التي اجتمعت في السراء والضراء على حماية الوطن.
وتكرر الحدث في المسيرة الخضراء، التي لم يتردد المغاربة فيها للتجاوب مع قرار تاريخي لاستكمال وحدة التراب الوطني..
وبرحيل جلالة الملك الحسن الثاني عشنا لحظة من التاريخ، لخصناه بحس متفرد (مات الملك عاش الملك)، انتقل فيها العرش بسلاسة، أكدت لكل دول العالم أن النظام الملكي مكون من مكوناتنا الوطنية، والذي عليه إجماع وطني من كل الحساسيات السياسية والطوائف الدينية، لكن فهم هذه الروابط والعلاقات يستعصي على بعض الأنظمة الشمولية التي عاشت مراحل من التناحر الدموي والتي لم تستقم فيها الأمور إلا بتحالف أقطاب وجنرالات القوة العسكرية المتحكمة فيها، والتي يلاحظ اليوم أنها تبسط هيمنتها حتى على المؤسسات الجامعية والمراكز العلمية.
وبالعودة إلى ملكيتنا إنها في أشد مراحل تاريخنا تناحرا، لم تعمل على إبادة الاتجاهات السياسية كالحزب الشيوعي المغربي، والذي مر من ظروف المنع لكن سرعان ما جاءت المبادرة من المؤسسة الملكية على عهد الراحل الحسن الثاني، وهذا ورد التأكيد عليه وتوصيفه في كتاب ذاكرة ملك. بل أكثر من ذلك كانت الملكية في إقدامها على القرارات التاريخية الكبرى، تفتح المشاورات مع القوى الحية وتنسق معها على ما ينبغي أن تكون عليه المواقف في اللحظات الوطنية الكبرى، التي تهم تاريخ الأمة.
لهذه العوامل، لا يقبل المغاربة ومن كل الطوائف المساس برمزية الملكية وما تمثله في وجداننا الجمعي، والتي ظل فيها التاريخ شاهدا على مشاركتها الأحداث والنوائب التي تحل بالمغاربة في بعض الأحيان كما حدث في مأساة الطفل ريان.
في تاريخ كل الشعوب، هناك أبطال وطنيون يحتفى بهم ويشكلون ذاكرة أممهم بأمجادهم وما صنعوه من مواقف في ساعات الشدة، ولم نكن نشازا على هذا المسار، حيث ظلت المؤسسة الملكية وبكل السلاطين الذين تعاقبوا عليها حاضرين في الجهاد والدفاع عن الوطن والدود عن الديار، ولا يساومون على الشعور الوطني للمغاربة ولو اقتضى الأمر النفي.
هذا تراث وطني طبع ببصماته هويتنا الوطنية، مهما اختلف التقدير بين القوى السياسية للأحداث ومجرياتها، لكن الثوابت التي صنعها التاريخ لا مجال للاختلاف حولها، لأنها جزء لا يتجزأ من هويتنا وتميزنا الوطني.
هذا المعطى يخص المغاربة وحدهم، ووحدهم من يحق لهم الافتخار به، وهذا الافتخار بات المغاربة من الديانتين اليهودية والإسلامية، يتباهون به في مشارق الدنيا ومغاربها، وأن صور هذا التعبير للمغاربة في أوطان غيرهم، غدت تشكل عقدا لمن يتطاولون اليوم بالكلام الساقط ومن ينسجون خيبة أحلامهم جهرا على مواقع التواصل الاجتماعي..
وهي أحقاد ظلت الجزائر/ الدولة/ الحكام العسكريون يسوقون لها بخطابات تعمل على الترويج للأباطيل، وهي التي صنعت وشكلت إعلاما احترف التدليس كلما تعلق الأمر بالمملكة المغربية الشريفة.