الأحزاب المغربية بين الزعامة الموهومة والبيروقراطية الفجة
فؤاد الجعيدي
يظهر لي، أن كل أحزابنا وبكل أطيافها من اليمن إلى اليسار، لا لغة تعلو فوق صوت الزعيم السياسي، علما أن الأوضاع الراهنة لم تعد تنتج زعماء بالكاريزمات القديمة.. والذين راكموا من التجارب النضالية في صفوف الحركة الوطنية والمفاوضات والعمل السري والعلني، ما أهلهم بهذا التاريخ العظيم من المحن، ليكتسبوا الوقار والاحترام في صفوف الجماهير قبل المناضلين.
وكان هذا الاحترام ينسحب على قادة اليمين واليمين الإداري واليسار،. لكن اليوم، نلاحظ أن الزعماء وإن كان جلباب الزعامة ليس على مقاسهم وفضفاض عليهم، فإنهم داخل تنظيماتهم يحتكرون سلطة الكلام.
الزعيم اليوم، يفهم في التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل، وفي العلوم الطبية وجائحة كوفيد 19، والفلاحة والصيد البحري وصناعة السيارات والطائرات والسكن والاقتصاد والاجتماع.
إنها مأساة بكل المقاييس، وكثيرا ما تتحول هذه المأساة إلى ملهاة في تعاليق الشباب عبر فضاءات التواصل الاجتماعي.
على المستوى الحقوقي، تطورت الأمور كثيرا، وغدا للشباب حاجات ولهم تصورات عن المشاركة السياسية، لكنهم يجدون أبواب الأحزاب موصده إلا في الفترات التي يصيرون فيها أصواتا مطلوبة لملء صناديق الاقتراع.
إن تطور الأوضاع الاجتماعية للشباب المغربي اليوم، واكتسابهم من المعارف والعلوم، بات يؤهلهم لأن تكون لهم مكانة وأدوارا في الحياة السياسية للبلاد، فالعديد من خريجي الجامعات تراهم يدبرون مقاولات عصرية، وبعضهم استطاع النفاذ إلى الأسواق الأوربية، ويتمتعون بحس عالي وقدرات هائلة في مجال التواصل، وبلغات العالم السائدة والمسيطرة في مجال المال والأعمال، غير أنهم يعيشون إقصاء يحول دون مشاركتهم في الحياة السياسية ، ومن كان لهم الحظ للتواجد في التنظيمات الموازية للأحزاب، يستخدمون للدوران في فلك زعيمهم.
إن هذا الوضع غير الطبيعي، بات يخلق حواجز في حياتنا السياسية أمام الشباب، لتقلد المناصب في الهيئات الوطنية، وتطوير كفاءاتهم في الممارسة اليومية للشأن السياسي.
وهذا الوضع لا يمكن تجاوزه إلا بإرادات وطنية وقناعات مجتمعية، تتوخى إحداث القطيعة، مع التدبير الفردي للأشخاص الذين يتحكمون في مفاصل الأحزاب بالاعتماد على مركزية ديمقراطية، أكد التاريخ فشلها في مجتمعات أروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي الذي فككته سياسة البيرستروييكا والتي لم تعمر طويلا، لتصلح ما أفسدته الممارسات البيروقراطية.
إن الدروس اليوم تؤكد أكثر من أي وقت مضى، ضرورة انفتاح الأحزاب والسعي لتوسيع مشاركة الشباب مشاركة كاملة دون هيمنة ولا وصاية.
وعلى هذه الأحزاب التي تطلب من الدولة خلق المؤسسات التشاركية ، عليها أن تعطي المصداقية لهذه القناعات لخلق بشر مساهم ومشارك في الحياة ومسؤول عن مواقفه واختياراته.