الجامعة الوطنية للتكوين المهني (النضال الأصيل)
فؤاد الجعيدي
سقط رهان أصحاب الأزلام، الذين توهموا في استحقاقات سنة 2021 أنهم، سيقلبون موازين القوى بقطاع التكوين المهني، وسيحلون محل مناضلين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا، في خدمة القضايا الحقيقية لنساء ورجال التكوين المهني لما يزيد، عن خمسة عقود.
للتاريخ، أن مناضلي الاتحاد المغربي للشغل بقطاع التكوين المهني، ساهموا أولا في بناء هذه المنظومة الوطنية، ورافقوها في مختلف مراحل تطورها التاريخي، وارتقائها من مستوى التأهيل إلى التقني ثم التقني المتخصص، فالجيل الرابع للمدارس والمؤسسات القطاعية.
وفي كل مراحل البناء، ظلت الاختيارات الوطنية للمناضلين، هي المتحكمة في تطلعات القطاع، بالربط الجدلي بين هذا الارتقاء في البنيات والمضامين التكوينية وأوضاع المستخدمين نساء ورجالا.
إن الجيل الأول من الرواد، الذين أسسوا النواة الأولى للعمل النقابي الأصيل، عملوا على قلتهم كملحقين بوزارة التشغيل، ولا يمثلون سوى مصلحة صغيرة من مصالح الوزارة، لكنهم وفي بداية البدايات اجتمعوا على مناهضة ذلك الواقع التي كانت في الأجور هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تتعدى 350 درهما في الشهر، وفي مؤسسات لم تكن سوى من الإرث الفرنسي كمركز المحيط بالرباط، والذي جاء في ظروف حاجة الفرنسيين لإصلاح المحركات ذات الوقتين. وصمدوا بقوة يوم تم توقيف أجورهم في أول حركة نضالية وواجهوا التهديدات بقوة وصلابة.
لكنهم أيضا ساهموا وبقوة، في خلق الوحدات التكوينية البيداغوجية، وعملوا على نقل الخبرات من مؤسسات تكوين الكبار بفرنسا، ولا نجد ربما مؤسسة وطنية مثل التكوين المهني، من عمل نساؤها ورجالها على قيادة التحولات البنيوية، والمشاركة الفاعلة فيها، حتى صاروا جزءا من إرثها وتراثها، وإرث للطبقة العاملة والمساهمة في ارتقائها الاجتماعي.
وخلال كل مراحل هذا البناء للمنظومة التكوينية، ظلت لصيقة بالارتقاء بأوضاع المكونين الذي شاركوا الدولة والقطاع الخاص، في إحداث التراكمات المطلوبة، لجهاز كانت من بين أولوياته المشاركة الواسعة في الأوراش الوطنية، وعمليات التحديث للنسيج الاقتصادي الوطني، وتمكينه من العوامل المساعدة على التنافس القوي والشرس مع اقتصاديات الدول الغربية والصاعدة في آسيا.
وبالفعل وصل الرهان إلى مراحل متقدمة، لتسويق هذا التراكم في البلدان العربية والافريقية، ونقل الخبرات المغربية لهذه البلدان، وداخليا قيادة عمليات الانتقال، من بلد معتمد على الاختيارات الفلاحية إلى مغرب الصناعات الناشئة في التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل، وصناعة السيارات وصناعة الأجزاء الالكترونية والبرامج بكفاءات مغربية.
ومن دون شك استطاع التكوين المهني أيضا، المشاركة في إنتاج وخلق طبقة عاملة تتوفر على المهارات والكفاءات المطلوبة في مواصفات المهن العصرية والحديثة، ومتطلباتها مع الأسواق الوطنية، والدخول بتكوينات جديدة في مهن البناء والأشغال الفنية الكبرى والدراسات الطبوغرافية والمعمارية، والتي كانت إلى أمد قصير تحظى بصفقاتها الشركات الاسبانية والتركية وغيرها من البلدان. بل غدت هذه الموارد تساهم في أوراش إفريقيا والتي دخلها المغرب عبر شراكات رائدة بعيدة عن تلك التي كانت تقيمها السلطات الاستعمارية في علاقاتها مع القارة السمراء.
في كل هذه المحطات، كان الاتحاد المغربي للشغل، حاضرا بقوة وفي العديد من المحطات، وهي مسارات لا يدركها ذوي النفوس الضعيفة، والذين راهنوا أن تكون لهم قدم بهذا القطاع الاجتماعي، والذين لا يملكون الحس الانساني للتعاطي مع قضاياه بما يتطلبه من تضحيات ونكران للذات.
غير أن الذين تربوا في أحضان الاتحاد كانوا يربطون بين أوضاعهم وأوضاع الطبقة العاملة باعتبارهم جزءا لا يتجزأ منها.
لقد عاشت الأجيال السابقة وفي العديد من المحطات حضورا للنزعات الانشقاقية ولدعاة التفرقة، لكنهم في كل محطة يصابون بالخيبة الكبرى في ساعة المعرك الحاسمة، والتي يخرج منها نساء ورجال التكوين المهني، أكثر قوة والتحاما، كما وقع في الاستحقاقات المهنية لهذه السنة والتي أتت عليها الجامعة كاملة، بقوة صدقها ومصداقيتها ووحدتها التنظيمية.
فقد سبق لنقابات أن جربت إحداث الشرخ في صفوف المستخدمين في سنوات خلت، لكنهم في نهاية المطاف فضلوا الانسحاب إلى غير رجعة، لكن هناك البعض الذي ظل يراهن إلى أن راهن على شراء الذمم كما يفعلون في غير الانتخابات المهنية، تم أصيبوا بخيبة كبرى من المناضلين الأحرار والذين أدركوا في كل معاركهم أن ما لا يأخذ بالنضال، يؤخذ بمزيد من النضال وبوحدة المصير المشترك وأن التناقض الوحيد الذي يؤمنون بضرورة التصدي له، هو هذه السياسات غير العادلة وتلك الإدارات التي تصاب في بعض الأحيان بالصمم .
إن الجامعة الوطنية اليوم، هي الشريك والممثل الوحيد، وهي التي دوما كانت في الريادة وهي التي عملت على انتزاع التوقيع على اتفاق أبريل التاريخي، وهي التي ارتقت بالأجور، وبالتعويضات والترقيات والتي بلغت أرقاما قياسية بالمقارنة مع قطاعات لها تقريبا نفس الوظائف البيداغوجية وأن قياس الأجور بالمقارنة نراه يسجل تفاوتات قوية وكذا نوعية الخدمات العلاجية والاستشفائية .
وكل المستخدمين وبدون منازع، يعترفون بهذا الواقع وشملتهم منافعه، لذا لم تفلح عمليات التشويش، التي قامت بها القلة القليلة، والتي تم تسخيرها وتوظيفها في مهام كانت وللأسف وبكل المقاييس تتعارض مع مصالح إخوانهم وأخواتهم.
إن الفضل كل الفضل في هذه الإنجازات، يعود إلى طبيعة الكفاح المسؤول الذي تقوده الجامعة، وتقوده ضمن ثوابت الاستقلالية ووحدة المصير المشترك بين كل الفئات والدرجات والتي لا نجد، في المفاوضات أن يتم استثناء فئة على أخرى، بل هناك نظرة شمولية للعدالة تتحكم في رؤية الجامعة للأوضاع العامة للمستخدمين. وهذا النهج هو الذي أسس له الاتحاد المغربي للشغل باعتباره منظمة عمالية، خلقت من رحم المقاومة، وفي سبيل تحرير والانسان والتراب من كل جبروت وطغيان.