الشراكة الاجتماعية بمكتب التكوين المهني التي يجهلها البعض
فؤاد الجعيدي
عبر تاريخ مؤسسة التكوين المهني وإنعاش الشغل، استطاع مناضلات ومناضلو الاتحاد المغربي للشغل، التأسيس لتقاليد العمل النقابي الأصيل، والذي ظل يستحضر في رؤيته الثابتة، أن المصالح الاستراتيجية للقطاع والنهوض بمهامه، ووظائف في التكوين وإنعاش الشغل وترقية المستهدفين بخدماته في مختلف فروع النسيج الاقتصادي الوطني، لن يستقيم إلا بالتطور الموازي لأوضاع المستخدمات والمستخدمين والارتقاء بأوضاعهم الاجتماعية والشروط والظروف التي تتم فيها مختلف عمليات التكوين في قلب المؤسسات والمراكز المهنية.
هذا الربط الجدلي، ظل حاضرا منذ التأسيس للجامعة الوطنية للتكوين المهني، ومن منطلقاته سعى المناضلات والمناضلون وفي وقت مبكر، لتوفير الدعامات البيداغوجية، والتي ظلت شاهدة كتراث بيداغوجي في مراحله الجنينية، والذي سيتطور لاحقا بالانفتاح على خبرات الدول الأوربية، منها مركز تدريب الكبار بفرنسا، ثم جاء التعاون الدولي فيما بعد، مع إيطاليا وألمانيا وكندا واليابان والصين الشعبية.
وإلى جانب كل هذا لعبت الأطر النقابية بالمكتب، في ظل مناخ اجتماعي تميز على الدوام بالحيوية والدينامية، عبر صراعات وتجاذبات مع مراكز القرار الوطني في الوصول اليوم إلى نتائج إيجابية جعلت لهذه المدرسة الوطنية قدرات وراكمت لها تجارب، يتم اليوم توظيفها لدى مجموعة من الدول الإفريقية.
وبالرغم ما نسجله من قصور في التفكير، لدى بعض المسؤولين الإداريين الذين يعتقدون من مواقعهم الإدارية أنهم اكتشفوا العجلة، قد يسيئون في العديد من المحطات لهذه الشراكة، والتي لا يمكن النظر إليها إلا باعتبارها خلاصات لتجربة ساهمت فيها الإدارة والدولة والاتحاد الغربي للشغل على قدم من المساواة.
من حيث التدبير، فإن حضور الأطراف الثلاثية من ممثلين الدولة وأرباب العمل والمستخدمين كان جسرا طبيعيا، يوفر آليات للانفتاح بين هذه الأطراف لدراسة الآفاق الاستراتيجية للقطاع، والتداول في خطط المشاريع وفيما ينبغي أن تقدم عليه هذه المنظومة من قرارات وإجراءات لتستجيب للمواصفات الناشئة في المهن، والتي ظلت أحواض العمل تفرزها في ارتباطها بالتحولات التي يعرفها النسيج الاقتصادي الوطني.
غير أنه للأسف الشديد أن هذه الشراكة وما وفرته من ثقافة في التدبير والتسيير وما راكمت من تجارب على مستوى التشاور وتبادل الرأي، يأتي رجال ونساء من بعض المواقع الإدارية، مغلفين بحس غير اجتماعي، ومتشبعين حتى النخاع بالقيم البيروقراطية والعجرفة، فيسيئون بكذا ممارسات منبوذة إلى هذه الروح الرفيعة ويحدثون تشنجات وتوترات في العلاقات الاجتماعية كما يحدث عند بعض المدراء والمدراء الجهويين.
إننا لسنا في حاجة للتذكير بأن الإدارة المركزية، قبل إسناد مسؤوليات التدبير للأشخاص، عليها إخضاعهم لبعض الدورات التدريبية وتمكينهم من الإلمام ببعض الآليات المساعدة في وظائفهم في علم النفس وعلم الاجتماعي.
هناك أشخاص داخل القطاع، يصنعون بأمراضهم النفسية وتضخم الأنا، حروبا مجانية، لأنهم لا يؤمنون أو غير مقتنعين بأن التسيير والتدبير العصري اليوم للموارد البشرية، ينطلق من قناعات القدرة على قيادة فرق العمل، لأن العمل مرتبط في مختلف مساراته بالمجموعات البشرية لكل واحد من المجموعة وظيفة إن تعطلت اختل النسق العام وضعفت المردودية.
وعلى هذا الرهط الايمان بأن الإنتاج في العمل ذو الوظائف التقنو بيداغوجية، يكون مسرح عملياته اليومية، المؤسسات والمراكز داخل المحارف وفضاءات التلقين العلمي والبيداغوجي، وليس داخل المكاتب المكيفة والكراسي ذات الجلد الرطب والناعم.
إن الوظائف الأساسية اليوم للمكتب هي نشر قيم التعاون وتقديس العمل والتفاني فيه وهذه القيم بالذات هي التي ظل الاتحاد المغربي للشغل وفروعه النقابية تعمل على الترويج لها بين صفوف كل العمال إلى جانب قيم الكرامة وعزة النفس والتضحية كلما استدعت الظروف ذلك.
هذه الثقافة بالذات علينا اليوم نشرها لدى المسؤولين، ومن مختلف المواقع والمراتب وأن يعترفوا مع أنفسهم أن ما يحضون به من امتيازات في السكن والسيارات والتعويضات من أجل خدمة الناس، وليس استخدامهم، وعليهم أن يفهموا أكثر من كل هذا أن المناضلين والمسؤولين النقابيين مستقلين في قراراتهم وليسوا أجهزة تابعة لوصايتهم، وعليهم أن يدركوا أن المستخدمين يستمدون قراراتهم من التدبير الجماعي في جموعهم العامة داخل مقرات الاتحاد وهي ضمانات تم تحقيقها بفعل نضال تاريخي طويل، انتزع المكاسب ورسخها وهي قيم غير قابلة للتفويت وتحت أي ظرف كان.
لقد سبقت للإدارة المركزية، في بعض الفترات أن راسلت ممثليها على مستوى الجهات، ليحافظوا على سنة التلاقي دوريا أو كلما دعت الحاجة لذلك، للتداول في أمور التدبير للمؤسسات والوقوف الفعلي على طبيعة مواطن الضعف، التي قد تعترض الأداء اليومي، غير أنه مع كل سنة تعود حليمة لعادتها القديمة.. وعلينا الحسم في هذه القضية إن كنا نريد خيرا لمؤسساتنا، فالشراكة تفترض لقاءات دورية على ملفات عمل والتصدي لها بالحلول والبدائل، وليس دفن الرؤوس في الرمال والذي لا يتنج سوى مزيدا التوترات، والتي تضر بالمصالح العليا للمنظومة ومواردها البشرية.
إن التشريع الوطني، يتحدث عن الشركاء الاجتماعيين، وهؤلاء بالذات لهم وظائف، هي المساهمة الفعلية في التدبير والأخذ باقتراحاتهم والتي عادة ما تكون مرتبطة أشد الارتباط باليومي والمعيش، وليس بما يتم تداوله عبر الهواتف وفي الاجتماعات المغلقة، وعادة ما تنتج فيه المغالطات.