تعثرات المشهد السياسي المغربي
فؤاد الجعيدي
العدالة والتنمية التي أتت بها رياح حركة 20 فبراير، عصفت بها الريح مثلما جاءت بها بعدما تبين للناس، أنهم يقولون ما لا يفعلون حيث أنهم في السنوات الأخيرة توالت زلاتهم، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها.
فقدوا ورعهم الديني في أكثر من محطة، ثم جاء العقاب السياسي والذي ظهرت أولى مؤشراته في الانتخابات المهنية ثم انتخابات الغرف.
اليسار الذي يبست جذوره، بعدما فك ارتباطاته بنضالات الجماهير الشعبية، بات يتطاحن بقوة في مرحلة الاستحقاقات القادمة، ويعيش حالة من التفتت الجيولوجي، حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والاشتراكي الموحد، حيث تنظيمات في العديد من مناطق المغرب عرفت نزيفا لم يتوقف إلى حدود اليوم ومرشح لمزيد من النزيف.
نشطت عمليات الترحال السياسي، بأشكال لم تعرف لها تجاربنا السياسية مثيلا، وهو الوضع الذي استفاد منه بقوة التجمع الوطني للأحرار، الذي لم يعرف نفس الصراعات، التي عرفتها باقي القوى السياسية، وظل يعمل على مدى الفترة الفاصلة بين الاستحقاقين، بتعزيز تنظيماته الموازية بعشرات الآلاف من المنخرطين، وساعده في هذا التوجه ما يحظى به الحزب من إمكانيات مالية لا تتوفر لسواه من الأحزاب، التي لا زالت تراهن على الاتجار بالسياسة للتسلق الاجتماعي.
حزب الاستقلال ببنياته التنظيمية المحافظة والقوية، استطاع الحفاظ على مكانته كقوة سياسية، لا زال بإمكانها أن تلعب أدوارا في الحياة السياسية.
حزهب الأصالة والمعاصر هو الآخر لم يحسن ضبط صراعاته الداخلية، من حيث أن ظل حزبا يضم في صفوفه قوى غير متجانسة سياسيا ولا ايديولوجيا، واتضح أنه لا يمكن أن يشكل اليوم حزبا عصريا يتجاوب مع تحولات البنيات الاجتماعية الجارية.
الأحزاب المغربية برمتها، تظل عاجزة على التجاوب مع عمق الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، وساهمت بقوة في عزوف الناس عن السياسة ولا سيما الفئات الشابة والطبقات الوسطى.
ومن المفارقات الغريبة اليوم، أن الأحزاب بالمغرب لا تسمح للفئات الشابة بالتواجد داخل تنظيماتها على مستوى القرار الحزبي، وهي تناقضات قوية حيث الشباب يوجد في عمق التحولات الاقتصادية، وله مشاركات واسعة في تدبير المقاولات العصرية وحضورا وازنا في الأوراش المهيكلة، لكن سياسيا لا يجد موطئ قدم للمشاركة والمساهمة في اتخاذ القرار.
إن التجارب السياسية اليوم، تؤكد في عمومها أن الشأن السياسي لا زال حكرا على وجوه تتبادل الأدوار، وغدت تشكل كوابح وفرامل للتجاوب مع تطلعات التغيير التي يتم التعبير عنها على أوسع نطاق في الشارع المغربي.
صحيح أن المتغيرات التي عرفها المغرب، على مدى العقدين الأخيرين، وصلت معها الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالبلاد إلى أفقها المسدود وكان على الأحزاب السياسة موضوعيا أن تنخرط في هذا التغيير، لكن لنزاعات ذاتية هناك تشبث أعمى بالمناصب والكراسي السياسية.
مثل هذا الوضع سيقع فيه الرهان، على أصوات ناخبين لا يقصدون صناديق الاقتراع سوى بمؤثرات معلومة، والتي ستحافظ للقوى التقليدية على مكانتها في الاستمرار في تدبير الشأن العام. وهذه الإرادة لا تتماشى مع إرادة الدولة في تحقيق انتقال ديمقراطي قوي للتفاعل مع طموحات هذا المغرب الصاعد الذي يسعى للانخراط في مجتمع الحداثة، وهي حداثة تمس بقوة مصالح من دأبوا على استخدام السياسية لقضاء المأرب وتحصيل المنافع المادية .