لا تقصص رؤياك على رفاقك يا نبيل
فؤاد الجعيدي
رقم 11 له دلالات متعددة في الثقافة العربية ، وهذا الأمر أجزم أن الحاج نبيل بنعبد الله لا يفقه أسراره ولا يستوعب أحكامه ، بحكم أن هذا( الجانتل مان) الأنيق لم يأت إلى الحياة من دروب الكفاح والصراع والتطاحن، التي تجعل من الناس رجالا أشداء. ربعته الحياة الحزبية على رأس شبيبة اشتراكية في زمن الدعوات للأمن والسلم والصداقة بين الشعوب. ثم ربعته مرة أخرى حين كان يختار في موائد العزاء أن يجلس بالقرب من يزودونه بالأخبار، كما حدث ليلة تأبين الرفيق علي يعته، حين خرج علينا متلقفا قولة الراحل الحسن الثاني على لسان ادريس جطو، ومرددا الخبر إياه الذي سمعه على التو أن الرجل كان رجلا،
في حديقة بيت علي كان الرفاق يجتمعون حول ليفي شمعون الرجل الحكيم، الذي يقرأ الحدث ويحسن تأويل المؤشرات على أن القادم لن يكون خيرا على هذا الحزب العنيد.
في أول اختبار مع المؤتمر بمكتب الصرف بالدار البيضاء، للبحث عن خلف للقائد الفذ، وقع الانحراف ولم يكن التدجين سهلا، فقد احتاج لعمليات إنزال قوية، تم الاستناد فيها على الجيوش الاحتياطية للاتحاد الدستور، اكتشفنا ذلك لما رفعت شعارات (بلا لحم بلا برقوق مولاي اسماعيل فالصندوق)
كان على المؤتمر أن ينهي أشغاله ليلة الأحد، لكن صراعا قويا لم ييسر مهام التحريف، فاستمر في ليلة بيضاء، استقبلت أول يوم من بداية أسبوع آخر، حسم فيه الصراع بدعوة من ترأس المؤتمر ورفع بطاقته وداعا القاعة للتصويت عليه.
وبذلك طويت الصفحة إلى الأبد. وغابت خطب الراحل علي يعته، التي كان يقف فيها أمام الرفاق، لساعات طوال يحلل الأوضاع السياسية الدولية والوطنية ثم يعمل على تشريح التناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. في كل تفاصيلها، التي تنتج البؤس والخصاص وتراكم الثراء والرفاه لقلة من المحظوظين، ولينير للرفاق طريق المهام المرحلية للنضال والكفاح الديمقراطي.
علي الذي ساهم في نضج العديد من الأفكار، وساعد بقوة على التناوب التوافقي، لم يعش ثماره، بل ترك هذا التراث لرهط تربعوا على الكراسي الوزارية، ودبروا الدواوين، لكنهم لم يتوفقوا في الانتصار لقضايا الكادحين، ولم يحسنوا تصريف المواقف التاريخية للحزب التي كانت على دوامها تنحاز للضعفاء والبسطاء وعلى رأسهم الطبقة العاملة.
ثم طويت مرة أخرى الصفحة، لكن هذه المرة على اختلالات قوية، بات عنوانها الكبير، التخلص في كل محطة من الرفاق الذين لم يبدلوا تبديلا، في انتمائهم لجذورهم الطبقية ومواقفهم السياسية والايديولوجية.. لكن من تبقى منهم داخل اللعبة السياسية، وذاق المنافع في المناصب السامية، صار يبحث له عن حلفاء من طينة أخرى، ممن جاؤوا بالإيمان الأعمى، لتنويم الناس على خصاصهم، ويقرؤون النصوص الدينية بما يبيح لهم مزيدا من الثراء لكنهم يكفرون في عمقهم، بالديمقراطية وأخلاقها في تمتيع البشر بكرامتهم، وحقهم في التعبير عن أحلامهم وآمالهم، جهرا ويسعون للإقبال على الحياة باعتبارها حقوقا غير قابلة للمساومة.
النزعة التي تحكمت في الحزب، وهيمنت على قراراته وشلت مؤسساته، تسعى اليوم لإعادة صناعة جيل جديد من المناضلين بمواصفات 2021 أي جيل غير ملم بالنظريات الاشتراكية وإنتاج حزب آخر وفق مقاص المؤتمر القادم سنة 2022 وهذا الوضع، هو الذي جعل أعضاء المكتب السياسي منشغلون ومعهم الحكماء لإنتاج أمين عام يحظى لدى هذه الكتلة أو تلك بالحفاظ على الامتيازات وبإحداث القطيعة مع حزب كانت طبيعة التفكير فيه جماعية ومنفتح على اجتهادات مثقفيه النوعية..
أخطاء الشيوخ ومعهم (الجنتال مان) فتحوا جبهات للتخلص من كل من يدعون إلى فتح نقاش وطني مسؤول، دفاعا عن المصالح العليا للحزب، لكن أن تصل التداعيات إلى الشباب وطرد 11 فهو رقم غير قابل للقسمة لكنه قابل للضرب والامتداد ومفتوح على كل الاحتمالات، ولا سيما إن كان هؤلاء الشباب ليس لهم ما يفقدوه حسب تعبير لينين سوى أغلالهم في المعارك القادمة، وهم يدافعون عن حزب سمعوا الكثير عن صلابته وقوته في اجتياز محن كثيرة، في صراعه مع الفرنسيين ومع الإقطاع وكيف قاد الفلاحين الصغار في سهول تادلة، والعمال بالدار البيضاء وساهم في انتفاضات عديدة كانتفاضة 1965، وكان له مفكرون ظلوا يحظون بالاحترام والتقدير في صفوف الطلبة وفي وسط الأممية الاشتراكية، تشبعوا بالروايات في أسرهم عن معنى الالتزام الطبقي والنضال من أجل وطن للجميع.
هؤلاء هم المعادلة الصعبة، والتي تختزن بحكم قوتها وإقبالها على النضال قدرات هائلة في الصراع والاستمرار فيه، لكنها من جهة أخرى عبرت على نضج لم يتوفر لما تبقى من القادة داخل الحزب، حين صاغوا بيانا سياسيا، يتعاطى مع هذا الوضع المعقد والشائك، لكنهم يحملون آملا في دعوتهم لأن تنتصر الحكمة والتعقل وأن يتجاوز البعض تشنجاته الحمقاء، في التدبير السياسي الذي لا يحتمل الصراع على طريقة الخرفان بقرونها الملتوية.
إنهم يا نبيل أحد عشر كوكبا سيكيدون لك كيدا.