رحيل آخر أقلام آل يعته
فؤاد الجعيدي
لم نعرف في تاريخ صحافتنا الوطنية، عائلة أنذرت أقلامها لخدمة الصحافة والتأسيس لها والدفاع عن حرية ممارستها وشروط النهوض بها، مثلما حدث مع أسرة الراحل علي يعته زعيم الحزب الشيوعي المغربي..
الأب خاض في السياسة ومن أجلها جرب المنافي والمعتقلات دفاعا عن الحق في التعبير عن المظلومين والمهمشين، وفي الدفاع دون هوادة عن مغربية الصحراء، والتي ترك فيها تراثا من التأليف والتتبع لمسارتها من خلال جردتي البيان وبيان اليوم التي كان يوقع افتتاحياتها باسم كأمين عام للحزب.. وكلما كانت الظروف عصيبة واحتاجت إلى التعبير عن المواقف المبدئية والثابتة، يطالعنا فيها التوقيع الجريء لعلي يعته، كما حدث في زيارة شمعون بيريز للمغرب، في الوقت الذي صامت فيه كل الأقلام عن التعبير جهرا عن الزيارة التي استقبل فيها الراحل الحسن الثاني رئيس الوزراء الإسرائيلي.
نذير يعته لم يشكل نشازا عن هذا الخط، لما عهد له برئاسة تحرير القسم الفرنسي لجريدة البيان والتي عمل على رفع مبيعاتها بكتاباته المتميزة بالجرأة في باب Mais dit l’autre.
عشت بالقرب من نذير الذي كان صاحب روح مرحة في التهكم على الظواهر والسلوكات الاجتماعية السائدة، وقد حدث أن ساندني بقوة، حين دخلت في خلاف مع والده، بل خبرني أن ما ابتدأ من دفاع عني بالجريدة استمر على مائدة العشاء ببيت الأسرة.
لم يخرج نذير من جبة والده، بل وجد في الفكر المتنور بوصلته التي توجه كل مواقفه التحررية، التي انتهت به أن يتعارض في كثير من الأحيان مع مواقف اللجنة المركزية التي كان عضوا في قيادتها.
توأمه فهد، لم يكن مناضلا داخل الحزب بمعنى الانتماء ولالتزام، لكنه اختار قناعات أخرى للحضور من خلالها في المشهد الإعلامي، ويؤسس لتجربته الخاصة التي ابتدأها في جرائد البيان وفي منابر أخرى إلى أن أسس( لانوفيل تريبون ).
إعلامنا الوطني مدين في العديد من مكاسبه لإسهامات هذه الأسرة، التي نشأت وتربت في بيت شكل مدرسة متفردة في القيم الوطنية وفي الدفاع عنها والاعتزاز بها.
وبهذا الرحيل نكون قد ودعنا آخر عنقود من هذه المدرسة المتفردة والتي كانت منبعا لإنتاج الأفكار وهي في جزء كبير منها، لا زلنا في أمس الحاجة إليها لإتمام مسيرتنا في بالبناء العصري للدولة الاجتماعية.
