بلدية سطات، الأماني والأحلام المتعبة
فؤاد الجعيدي
تعاقب عليها نسل كثير، أروع ما فيها أن اللاحق يعري عورة السابق، لكن تظل القواسم المشتركة بين كل تجاربها، أن كل من أتى يترك بصمة شاهدة على مروره الكرنفالي.
وكي لا أكون ناكرا وجاحدا، سأمر مرور الكرام على ما فعلته الأيادي التي تعاقبت.
في زمن ما شيدوا مسبحا أولمبيا، وقالوا في ذكر محاسنه ما لم يقله مالك في الخمرة، لكن النحس كان يتولى المشاريع، قبل أن تسلم الأشغال، فاض واد بنموسى وضرب كل التجهيزات التي تم صرف مال كثير عليها، من القرض الذي أخذته الجماعة من الجماعات المحلية، وبعدها تبث بما لا يدع مجالا للشك أن المسبح غير الأولمبي، صار كلفة في الصيانة والتسيير ولم تقو الجماعة على هذا الحمل.
في تجربة أخرى تم منح أرض من ممتلكات الجماعة للخواص من أجل تشييد مسرح وقاعة سينما ومحلات تجارية.. في تجربة قيل عنها الكثير، والقائلون لم يكونوا سوى مثل ذلك الذي تأخذه النشوة فيرى المزابل جنات النعيم.
وتعطل المشروع وصار خرابا لا يشرف هذه المدينة المتعبة بالأفكار التي لا تنفع الناس.
تعاقب آخرون واشتغلوا على عقارات واسعة، وتحدثوا بنشوة أخرى عن مدينة حديثة سترى النور، وبدأت المفاوضات العلنية وغير العلنية، إلى أن رأى النور تصميم التهيئة لمدينة الأحلام، والتي ستستوعب آفاق التطور المستقبلي للمدينة، لكنها ظهرت في الواقع مدينة معطوبة ومحرومة من الحدائق والمنتزهات الخضراء ومن فضاءات للتسوق ومن مراكز للأمن ومراكز للاستشفاء وملاعب للرياضة.. لأن من كانوا يخططون لم يستحضروا ما ينبغي أن تكون عليه المدن من أساسيات للتجمعات السكانية .. في كل أطراف المدينة كانت تجمعاتها معطوبة.
وفي التجارب القريبة هناك من تشمم روائح البخور الشرقي فشيد البراريك على جنبات الطرقات والشوارع لباعة الخبز والخردة، أما المنطقة الصناعية فلم تكن هناك أفكار للتمدن تنهض بها، حيث نمط التفكير الريفي هو الجاثم بكل ثقله على نظرة العقول والقلوب.
النافورات والمقاطع الدوارة المعطلة، ظلت شاهدة على عبث هذه النخب، والتي لم يتجاوز تفكيرها تعبيد الطرق ومد قنوات الصرف الصحي والانشغال بالإنارة العمومية، لكن المساهمة في بناء مظاهر التمدن تظل غائبة والنقاشات العمومية، همها الأوحد هو التنابز بالألفاظ والتظاهر بالتبني الحقيقي لمواقف الدفاع عن مواطن لا نستحضر معه أبسط قواعد التواصل، وذلك العناق الزائف في فترات الاستحقاقات وما يتلوه من قبلات بالأحضان.
خلاصات مريرة نستنتجها من كل هذه التجارب، أن تدبير المسألة الجماعية من مواقع خلاقة وبناءة تحتاج إلى إعمال الفكر وليس التغني بأحلام لا تسمن ولا تغني من جوع.