النخب السياسية وغياب الجرأة والمبادرة
فؤاد الجعيدي
لنقلها بما يكفي من الوضوح، أن نخبنا السياسية لا تتذكر وظائفها إلا مع اقتراب المحطات الاستحقاقية، للاشتغال على البرامج والتي غدت لها وظائفها مقرونة باستمالة المواطنين، طمعا في التصويت عليها، ثم بعدها تدخل غرف الانعاش..
اليوم باتت المبادرة لمواقع التواصل الاجتماعي، وفيها يعمل المواطنون على استرداد حقوقهم في التعبير عن الخصاص الذي يستشعرون في حياتهم اليومية، مقابل الهيئات السياسية التي ألفت الاحتماء بالصمت أو ابتلعت ألسنتها.
هذا الفراغ تكرهه الطبيعة، والتي تخلق لها بدائل لخوض الصراعات المجتمعية، والتي ينعدم فيها مناقشة التصورات التي ترقى بوعينا الجمعي للتداول الهادئ والحكيم في معضلاتنا اليومية.
لكن حين نتأمل، ما يكتب وينشر على المواقع الاجتماعية، نلمس أن الأحزاب تجند مريديها لتوظيف لغة ساقطة لا تحترم ثوابت الاحترام المفروض بين الخصوم..
وفي بعض الأحيان نجد الأحزاب تستنجد، بأصوات من داخلها والتي ليس لها من حضور في الساحة السياسية، إلا في لحظات التنابز بالألفاظ واللغة الساقطة وتأتيت توصيفات للخصوم السياسيين مشحونة بأحكام القيمة والاتهامات المجانية لهذا الطرف أو ذاك، يحدث هذا الأمر في جل الأحزاب لكن داخل الأحزاب اليسارية نجد وقعه أشد.
المواقع الاجتماعية ليس عليها الرقابة الأخلاقية، بحكم مواقع المشاركين فيها والذين تختلف تمثلاتهم المعرفية والسياسية بالواقع وتطوراته، لكن حين يتصدى البعض للخلافات وينعت أصحابها بالكلاب هذا أمر في منتهى السخافة كما فعلت إحدى النائبات البرلمانيات المحترمات..
إنها في الواقع لا تلام على زلتها، لأن التأسيس لهذا التعاطي الفج، وجدنا زعماء أحزاب قد مارسوا ذلك دون أن يرف لهم جفن حياء واحتراما للمواطنين.
ألم نعش مع السيد عبد الإله بنكيران لحظات قاسية استخدم فيها أسوء النعوت والإشارات لخصومه وامتد أداها لرجال التعليم؟ ألم نعش لحظات من عري الكلام مع الحاج نبيل؟ ألم نعش فنون لغة المشادات التي أبدعها نواب العدالة والتنمية وتلقفها السيد أوزين، للتباهي بلسان يفتقد الوقار السياسي؟ ألم تكن للسيد أخنوش عبارات قاسية في حق البعض من مواطنينا حين تفوه بإعادة تربيتهم؟
بالعودة إلى تاريخنا السياسي نجد رجالات الدولة الذين مروا وتعاقبوا من اليمين واليسار، كانوا يجيدون لجم ألسنتهم ولا يتحدثون إلا بلغة راقية تستحضر الفكر والثقافة والمعرفة كعوامل حاسمة في خوض الصراعات.
وطبعوا مرحلة من فكرنا السياسية بتوجهاتهم البيداغوجية من أمثال الراحل علي يعته وعبد الرحمان اليوسفي وأحمد عصمان وبا حنيني ومحمد بوستة وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد بن سعيد أيت يدر.. وغيرهم الكثير ممن كانوا يبرزون في لحظات الشدة بقوة أفكارهم واقتراحاتهم وجرأتهم، ويحظون بالاحترام لدى خصومهم… وكان لهم الحضور القوي كرواد وقادة سياسيين محنكين.
عوامل مهمة وجب أن يتمتع بهم رجال السياسية:
- المصداقية.
- النزاهة.
- الجرأة.
- والحكمة.
اليوم هذه الفضائل، من يتمتع بها داخل نخبنا السياسية؟ ومن يعطي لشبابنا القدوة للإقبال على السياسية والتعاطي معها باعتبارها خزانا للقيم الاجتماعية والدفاع عنها خارج النزعات الذاتية مهما تعددت المواقع فهي تظل في نهاية المطاف دفاعا عن رؤية للكون والمجتمع وما ينبغي أن تكون عليه العلاقات الاجتماعية؟..
صارت النخب السياسية معزولة عن نبض المجتمع ولا تتحمل مسؤولياتها في تأطيره وقيادته، إلا من وراء خطابات تبحث لها عن تعزيز مواقعها في المشهد السياسي وتوظيف تلك المواقع لحماية الأنانيات.
أمام الترافع عن قضايا المجتمع وتوليد الأفكار وإبداع الحلول فتلك مهام مؤجلة إلى زمن آخر.