الحاجة إلى نموذج سياسي جديد
فؤاد الجعيدي
نسجل اليوم بأسف شديد، أن الأحزاب السياسية الوطنية ببلادنا، لم يعد لها ذاك البريق الذي يخطف قلوب الناس عن طواعية واختيار، أمام ساحة اجتماعية امتلأت حد الإشباع، بكل الألوان والأطياف السياسية، فلنتأمل الوضع:
- التجمع الوطني للأحرار
- حزب الاصالة والمعاصرة
- حزب الاستقلال
- حزب العدالة والتنمية
- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
- الحركة الشعبية
- الاتحاد الدستوري
- حزب التقدم والاشتراكية
- الحركة الديمقراطية الاجتماعية
- حزب التجديد والإنصاف
- حزب البيئة والتنمية المستدامة
- حزب العهد الديمقراطي
- حزب اليسار الأخضر
- حزب الحرية والعدالة الاجتماعية
- جبهة القوى الديمقراطية
- حزب العمل
- حزب الوحدة والديمقراطية
- الحزب الاشتراكي الموحد
- حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
- حزب الوسط الاجتماعي
- المؤتمر الوطني الاتحادي
- حزب القوات المواطنة
- حزب الإصلاح والتنمية
- الحزب المغربي اللبيرالي
- حزب النهضة والفضيلة
- حزب النهضة
- حزب الأمل
- الاتحاد المغربي للديمقراطية
- حزب المجتمع الديمقراطي
- النهج الديمقراطي
- الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
- حزب الشورى والاستقلال
- حزب الديمقراطيين الجدد
لساكنة تقدر بحوالي 36,910,560 نسمة، وعدد المركزيات النقابية يبلغ :
- الاتحاد المغربي للشغل
2. الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
3. الاتحاد العام للشغالين بالمغرب
4. الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب
5. الفدرالية الديمقراطية للشغل
أضف إلى ذلك، نقابات أخرى صغيرة ومنظمات مهنية وتنسيقيات متعددة.
معنى هذا أن المناخ السياسي العام يتسم بتوسع دائرة الحرية، لكن هذه الإطارات لم تتجاوب، بما يكفي من الحاجة لتأطير المواطنين، فانضافت إليها جمعيات المجتمع المدني، التي يقدر عددها بما يزيد على إحصاء أكثر من 200 ألف جمعية بالمغرب. وهناك 30 جمعية معترف لها بالمنفعة العامة، وعدد الجمعيات التي حصلت على تمويلات أجنبية بلغ 255 وتلقت ما مجموعه 310 مليون درهم سنة 2021
التفسير الأقرب للصواب، لهذا لوضع هو أن المجتمع المغربي لا يزال في طور التشكل السياسي، ويسعى لمزيد من التفتيت كلما وقع تضارب المصالح، لكنه في جوهره يعبر عن أزمة عميقة للديمقراطية، التي تعني في صلبها فسح المجال للمواطنين للتأطير والمشاركة بالرأي في إنتاج القرارات لأوسع الناس.
ومن أهم أسسها الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام العام، وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف، لكنها في حاجة لسيادة ثقافة داخل المجتمع تؤمن بالديمقراطية، وتتشبث بها وتدافع عنها كخيار استراتيجي يمهد الطريق للتطور المجتمعي، والأداء الاقتصادي دون أن يخلف ضحايا من المجتمع على الهامش ومقصين من المشاركة المباشرة، علما أن السياسة تتحدث بأسمائهم وتنوب عنهم في إبراز تطلعاتهم نحو ما هو أفضل.
المؤهلون داخل المجتمع لتطوير قوانين اللعبة الديمقراطية، وتنظيم رقعة الشطرنج هي النخب الفكرية والسياسية التي لها قناعات الوعي التاريخي بأن لا تظل العلاقات الاجتماعية السائدة، تنتج مزيدا من الأعطاب، لكن جلهم يرفض التنازل ويصر أنه المؤهل للاستمرار في شحذ أذهان الناس ولو بصناعة الأوهام.
هل لنا كل هذه الحاجات في مزيد من التفريخ السياسي، دون أن نصل إلى النجاعة المطلوبة في قيادة المجتمع، نحو أهداف استراتيجية واضحة تسعى إلى إحداث القطيعة، مع كل مظاهر التخلف التي تعمل كعوامل مفرملة للنهوض الاجتماعي.
رسميا 4.5 مليون مواطن يعيشون على عتبة الفقر، وثلثهم بالأرياف ولم تقو كل هذه التنظيمات على إبداع حلول لاستئصال مظاهر الفقر.
ربما أن هناك شيء ما على ما لا يرام، أخذا بعين الاعتبار أن مقدرتنا الوطنية لها ما يكفي من المؤهلات للتصدي الجماعي لهذه الاختلالات.
أعتقد أن المداخل الأساسية اليوم ودون مزيد من هدر الوقت والفرص لإيقاف الحلقات المفرغة لهذا النزيف، أن المجتمع المغربي بحاجة إلى ثورة ناعمة وهادئة في أذهان كل النخب، التي تتهافت على مزيد من التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية لإيجاد موطن لها على كعكة لم نعمل على نضجها وإنتاجها بالقدر الكافي من إنتاج الثروات.
الساعة التي دقت عقاربها، تقتضي إعادة النظر في وعاء التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية. وأن تنتهي في الحال الرغبة السياسية للأحزاب في سعيها إلى بسط هيمنتها ومد أذرعها عبر مزيد من خلق التنظيمات النقابية والجمعوية التي تلتف حولها.
نحن اليوم بحاجة إلى تشريح هذا الوضع والخروج بقناعات جديدة حول قوى وازنة، ومؤثرة في الأحداث وليس حزيبات تتقاتل على نصيب لا تأثير له في عمق المجتمع. والمجتمع ابتعد وأعلن العزوف لكن تصوراته عن ممارسات سياسية مستقبلية، يظل يحكمها النزوع للمشاركة في صناعة القرارات، وهو ما تنأى عنه النخب السياسية الراهنة.
نحن في حاجة لمؤسسات حزبية عصرية قوية يقع فيها الانتماء على أسس الدفاع عن المصالح المتجانسة بين أعضائها وهي مصالح تتحد بالعلاقة مع وسائل الانتاج بين مالكيها والعاملين بها بقوة عملهم.
لقد نشأ هذا التفكير ووقع فيه الحديث عن الأقطاب السياسية الوازنة، لكن الممارسة ذهبت إلى مزيد من خلق التنظيمات الحزبية التي سرعان ما تذبل أفكارها ويتراجع توهجها.
على مستوى التنظيمات النقابية هي الأخرى عليها أن تتخلص من التبعية السياسية، للقوى المتنافسة على تشكيل الحكومات، وأن لا يظل الرهان على استخدام القوى العمالية، في المزايدات السياسية، وأن يظل العمل النقابي هو الوعاء للدفاع على مصالح الإجراء باعتبارهم قوة اجتماعية موحدة وأن كل تناقضاتها تظل في المواجهة المباشرة مع الرأسمال في تحسين الأوضاع الاجتماعية وظروف وشروط العمل.
هل لنا الجرأة للخوض في هذا الوضع؟ ولماذا نتغاضى على أن القوة لن تتأتى إلا بوحدة التجميع، لكن التجميع يقتضي قهر التطلعات الأنانية للنخب السياسية التي لم تعمل سوى على نخر المجتمع.
لقد تم الإقرار بفشل النموذج التنموي الذي انتهجته البلاد واختياراته وباتت النخب السياسية تتدافع على إنتاج مقاربات جديدة، ولنكن واضحين أن تصريف النماذج، لن يتم خارج القوى السياسية، وأن هذه الأخيرة في أمس الحاجة لتجديد المؤسسات الحزبية ورفع وصاية الأمناء العامين عنها والتحكم في مفاصلها وتعطيلها لأداء وإنجاز مهامها التاريخية.
لقد تغير الزمن وتغيرت التحديات لكن أهم تغيير ننتظره وهو تغيير العقليات التي لا زلت تصر على البقاء وتقاوم وتتصدى للتغير الذي يسكن في صلب الحركة الاجتماعية.