الحاجة إلى يسار وطني جديد ومنفتح ومؤثر

الحاجة إلى يسار وطني جديد ومنفتح ومؤثر
شارك

فؤاد الجعيدي

لقد تمكنت القوى اليمينية، من القيام بالإصلاحات الضرورية، وخرجت من الاستحقاقات التي عرفتها بلادنا مؤخرا، بالهيمنة على المشهد السياسي من خلال تحالف الذي ضم التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصر وحزب الاستقلال.

في حين عجزت قوى اليسار إلى يومنا هذا، على تجاوز الصعوبات التي ظلت تعترض طريقها نحو الوحدة على أسس سياسية وفكرية وإيديولوجية.

فالتقدم والاشتراكية انساق خطآ، في وضع اليد مع قوى يمينية، عملت على تعميق، مشاكل البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بل اتضح مع قادتها، جر النقاشات السياسية إلى مستوى من التسفيه لم تعرف له البلاد مثيلا في تاريخها السياسي المعاصر، ودبت على المكاسب كما يدب الجراد على الأخضر واليابس. وعادت بعلاقات العمل إلى نظام السخرة الذي عرف على عهد الحماية، بسنها نظام التعاقد الذي عمق الهشاشة في الوظيفة العمومية وأدت لحرمان رجال التعليم من حقهم في التصويت في الانتخابات المهنية.

اليوم هذه القوى اليمينية الظلامية والتي لا أفق لها، تعود إلى الاصطفاف في المعارضة، ولا نستثني أنها قد تركب على الخصاص والهشاشة لتصنع منه تأجيجا اجتماعيا.

هذا المعطى يدعو قوى اليسار، إلى فتح نقاشات شجاعة ومسؤولة، لتجاوز النزعات الذاتية التي عملت مرات عديدة على تعطيل المشروع الوحدوي..

من يمثل هذا اليسار، إنه يمثل الفئات المتوسطة والقوى العاملة وعموم الكادحين بالبلاد، وهذا اليسار يتمثل في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية حزب الطليعة الاشتراكي وحزب المؤتمر الاتحادي وجبهة القوى الديمقراطية وفيدرالية اليسار الديمقراطي…

إن هذا اليسار فقد بريقه وتأثيره في مجرى الأحداث وتطوراتها، والآن يعيش على ايقاع أزمة فكرية في مشروعه الاجتماعي، ولم يلتقط بعد الإشارات القوية للدولة، التي أقدمت على تبني مشروع الحماية الاجتماعية والخوض في نقاشات مجتمعية واسعة على ما ينبغي أن يكون علية النموذج التنموي الجديد، من تطلعات تردم الهوة السحيقة بين الطبقات والتي زادت استفحالا، في الوقت الذي قطعت فيه البلاد خطوات هائلة في التحولات الاقتصادية ودخولها مرحلة التصنيع.

على هذا اليسار الذي في جزء عريض منه، قد بنى تواجده على العلاقات العائلية  والحلقات الضيقة، وظل متشبثا بتبادل المنافع بين مناضليه، البعض منهم قطع مع الروابط الجماهيرية والمنظمات الموازية التي كانت تنشط على الجبهة الاجتماعية، كما حدث للاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وبات الرهان على استقدام نخب تستقوي بنفوذها الاجتماعي والمالي، على حساب الارتباطات بالتوجهات الطبقية وتمثل مصالح القوى المتطلعة للتغيير.

وأخرى ظلت تصنع مطالبها، بعيدا عن نبض المجتمع، ولم تنظر إلى ضرورات المشاركة الديمقراطية في تغيير موازين القوى خدمة للمشروع اليساري، الذي وحده القادر على تفعيل قيم وأهداف الدولة الاجتماعية.

إن هيمنة النزعات الاستبدادية، ومناهضة النقاش والتوافقات حول البرامج المرحلية، عمقت التباعد بين القوى التي ظلت على الأقل تعلن جهرا، انتماءها للعائلة الاشتراكية، لكنها على مستوى الممارسة تشكل اشتراكية  قواسمها المشتركة فيما بينها، التطاحن الخفي والظاهر لمن تكون الزعامة في احتواء الآخرين وجعلهم ذيولا في المسيرة النضالية.

اليوم المسؤولية لا تقع على القيادات، وإنما على هؤلاء الذين اقتنعوا بأفكار التقدم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، أن يتوحدوا على قواسمهم المشتركة لحمل قياداتهم، على تبني مسلك وحدة اليسار المغربي على أسس جديدة، أخذا بعين الاعتبار التحولات العميقة التي أصابت العالم، وتطلعات القوى التي من مصلحتها التغيير وتنتظره منذ عقود.

إن هذه الدعوة تجد مبرراتها في طبيعة الفكر الاشتراكي، والذي لا يعرف نشاطه وديناميته، إلا في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية التي تمر منها المجتمعات، وأن هذا الفكر الاشتراكي الجديد، عليه تجاوز المقاربات الدغمائية والتشنجات الفكرية، التي ورثها من كتب الثورات القديمة والشعارات الداعية لديكتاتورية الطبقة العاملة.

وعليها الانفتاح على ما يعتمل في المحيط الجهوي والقاري والدولي من صراعات ومواقف، باتت معها دولتنا تواجه هجومات متوالية من القارة الأوربية ومن قواها التقليدية التي لا تريد لقراراتنا الوطنية السيادة والحرية.

إن مشهدنا السياسي الوطني في طور التشكل، وعلينا جميعا أن نؤمن بأن صناعة التغيير ممكنة، في ظل الاختيارات الديمقراطية، لكن إنجاز هذه التطلعات يقتضي العمل مع الجماهير، للرفع من منسوب وعيها ومساعدتها على تفهم الأوضاع العامة، التي تمر منها البلاد، وطبيعة القوى المهيمنة على إنتاج القرارات السياسية، وتعديل موازين القوى للتأثير في هذه القرارات.

لكن هذه المهام التاريخية، تحتاج ليسار وطني جديد وموحد وقوي ببدائله واقتراحاته، وقادر على أن يلعب أدواره كاملة في تأطير الجماهير وعدم تركها لتجار الدين والذين أثبتت التجربة أنهم ساوموا بتطلعاتها نحو ما يعمل على المحافظة على البنيات التقليدية للمجتمع، والوقوف في وجه مظاهر الحداثة والعقلانية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *